وهل هناك شيء أقرب للنفوس السليمة من السلام والأمن القائم على أسس رصينة؟ إنّ الإسلام يعطي مفهوم الأمة مساحة إنسانية واسعة تتجاوز الحدود الزمانية والمكانية عندما يخاطب مجموع الأمم الموحدة بقوله: (إنَّ هذه أمّتكُم أمَّةً واحدةً وأنا ربكم فاعبدون)[20] وعندما يجعل كل الأنبياء في مسار واحد لتحقيق هدف واحد: (ولقد بعثنا فى كُلِّ أمة رَسولا أنِ اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت)[21] (و لقد أرسلنا رُسُلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط)[22]. وهو يحملها المسؤولية العالمية في شتّى المجالات عندما يجعلها الأمة الشاهدة على الناس، وهو مفهوم حضاري واسع: (وكذلك جعلناكُم أمةً وسطاً لِتكونوا شهداءَ على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً)[23]. ونعرف هذا المضمون الحضاري من التقابل بين شهادة الرسول على الأمة وشهادة الأمة على الناس باعتبارها شهادة النموذج والمعيار على كل السلوكات الأحرى، وعلى هذا الغرار تأتي الأوصاف الأخرى من قبيل الأمة الخليفة، والأمة القائمة بالقسط وغير ذلك. وعليه، فمسؤولية الأمة الإسلامية كبيرة تجاه السلام بمعناه الحقيقي هي كمسؤوليتها تجاه توفير الأجواء المناسبة لمجموع البشرية لتتجلّى طاقاتها البشرية في مجال عبادة الله ونفي مظاهر الطاغوت ـ وهو المرض الخطير الذي يعمي الفطرة ـ ، وبالتالي السير لإعمار الأرض وتكوين المجتمع العالمى الذي يعبدالله آمناً لايشرك به شيئاً: (وليبدلنهم من بعد خوفهم أمناً يَعبُدونَنى لايُشركونَ بى شيئاً)[24]. وعندما نتصور المسؤولية يتبادر إلى الذهن تصور الشروط الطبيعية التي يجب أن تتوفر أوّلا حتى يمكن القيام بالمسؤولية الجسيمة، والتناسب بينها وبين شروطها أمر طبيعي. وما نتصوره من شروط يتلخص في مايلي: 1. وعي الأمة الإسلامية ـ بكل تأكيد ـ لإسلامها بأسسه العقائدية مفاهيمه ونظمه