السلام العالمي في هذه الأطروحة يُنظر إليه من خلال مصالح القوى العظمى فقط، فهو ـ إذن ـ سلامٌ ضد السلام. 5. الدولة العالمية الواحدة، القائمة على أساس التوحيد الإلهي، والقسط والعدل، والشورى، والقيادة الإنسانية الرشيدة، والنظام الإنساني الذي يقر حرية الإنسان وحقوقه في مضامينهما وأشكالهما التكاملية الطبيعية. هذه الأطروحة تتمتع بكل نقاط القوة التي تجعل منها الضامن الوحيد للسلام العالمي، فضلا عن أنّها لاتحتوي على نقاط الضعف الموجودة في الأطروحات الأخرى التي استعرضناها. إلاّ أنّ هذه الأطروحة ـ برغم واقعيتها ووجود الإمكانية ـ الكاملة لتحقيقها ـ تواجه عقبات كأداء، وتحتاج إلى تضحيات جسيمة، ولكنها تبقى الخيار الوحيد للبشرية. ومن هنا نرى ضرورة الاتجاه نحو المبادئ التي تدعو لها هذه الأطروحة، واكتشاف المبدأ الأصلح الذي ينسجم مع أسسها ومعالمها وروحها، ثم التعرف إلى الأمة التي تحمل هذا المبدأ، والعمل على تأصيل خصائص هذه الأمة والانطلاق ـ بعد ذلك لنشر حالة الإيمان بهذه الأطروحة بين أبناء البشرية. ولكي لانتهم بأنّنا نجنح إلى الخيال في عرضنا لهذه الأطروحة، فإنّنا نؤكد على ان هذه الأطروحة هي الخيار الذي يطرحه الإسلام نفسه لانقاذ البشرية ونجاتها من الظلم والجور ونشر القسط والعدل والسلام في ربوع الأرض. وينبغي أن نلاحظ حقيقة مهمة، وهي أنّ مثل هذه الدولة العالمية لاتوجب ـ بالضرورة ـ أن يكون أبناؤها على دين واحد ومذهب واحد، وإن كانت الوحدة في هذا الجانب من مقومات الترابط الكامل بين المجتمع العالمي الذي تستوعبه هذه الدولة، إلاّ أنّ ذلك ليس شرطاً ضرورياً لقيام هذه الدولة. ونحن نعتقد بأنّ البشرية ستسير باتجاه تحقيق هذا الهدف ـ عاجلا أم آجلا ـ إذ أرادت لنفسها أن تضمن مسيرة متوازنة واحدة متكاملة تحقق أهداف الإنسان، وتضمن تناسباً بين الثروة الموجودة في الطبيعة وسرعة التكاثر الإنساني واحتياجات الأجيال الجديدة، وتضمن سلاماً عالمياً يغني العالم عن الحروب والنزاعات التي لا طائل من ورائها غير إفناء الإنسانية وإهدار ثرواتها، وتضمن ـ أخيراً ـ الحقوق والحريات للإنسان بصورة حقيقية، وفقاً للموازين المعنوية العادلة التي تخدم تقارب البشرية عموماً وبالتالي فإنّ هذا