باعتبارها مدخلا لتحقيق المجتمع لطموحاته وتقدمه على المدى البعيد. وتفترض هذه الأطروحة إمكانية قيام حكومات ديمقراطية ـ بكل ما للديمقراطية من معنى نظري ـ في كل أنحاء العالم. وأنّ هذه الحكومات تتعامل مع بعضها على أساس التنافس البنّاء دون تعدٍّ على الحدود والحقوق. ويتم ذلك في إطار عرف دولي مدوّن يضمن طرح أسس عادلة للعلاقات الدولية. وهذه الافتراضات هي في حقيقتها ـ مجرد خيال; لأنّها لاتمتلك اي أساس إنساني واقعي ولاتؤيدها التجربة التاريخية الحضارية الإنسانية. إذ أنّ الإنسان الذي يملك أبعاده النفسية ونزعاته الذاتية، إذا لم نضمن التربية الروحية التامة له، وسلبناه كل ما يؤدي إلى تربية إنسانية، وسرنا به نحو حيوانية منظّمة! فإنّ من المستحيل تصوّر سير تكاملي طبيعي ومتوازن له. وإذا تجاوزنا الجانب النظري إلى الجانب التطبيقي فسنرى أنّ التجربة التي مارستها الأنظمة الديمقراطية التقليدية منذ انبثاقها وحتى الآن وما أسفر عن ذلك من حروب وحركات استعمارية وانتهاك لحقوق الشعوب الأخرى وعدوان على الحريات الإنسانية، والتي حولت العولمة إلى أمركة صارخة، هذه التجربة لايمكنها خلق أيّة أرضية للأمن والسلام العالمي. 4. القبول بالواقع القائم على ما هو عليه، وقيام منظمة دولية على غرار منظمة الأمم المتحدة، تأخذ على عاتقها تنظيم العلاقات بين الدول والشعوب، وإصدار بيانات ومقررات وبروتوكولات عالمية ملزمة، بهدف ضمان السلام العالمي، ومن ثم السهر على استمراره من خلال مختلف الآليات. ومن هذه الآليات، أنّها منحت كل الدول ـ على اختلاف عدد سكانها وحجم مساحتها قوتها ـ مقعداً واحداً وصوتاً واحداً في الجمعية العامة. بينما منحت مجموعة من القوى العظمى حق النقض «الفيتو» في مجلس الأمن الدولي، والذي شكلته هذه الأطروحة لحفظ الأمن العالمي وضمانه! وهذه الأطروحة ـ هي الأخرى ـ مليئة بالسلبيات، وأبرزها آلية ضمان حفظ الأمن نفسها، والتي أعطت من خلالها للدول الكبرى حق النقض في مجلس الأمن، وهي دول تسعى لتحقيق مصالحها على حساب الدول الأخرى. اضافة إلى أنّ هذه الأطروحة لم توجد أيّة آلية لإلزام الدول بقوانينها، وبذلك يمكن لأية دولة أن لاتنضم للمعاهدة أو البروتوكول الذي لاتجده منسجماً مع أهدافها ورؤاها. وإذا ما وجدت قوانين عقوبات دولية رادعة ـ وهي نادرة ـ فإنّ القوى الكبرى هي التي تنفذها وفقاً لما تمليه عليه مصالحها وليس وفقاً لمصلحة الأمن العالمي. وبذلك فإنّ