خيارات البشرية لتحقيق الأمن والسلام هناك عدة خيارات أمام البشرية، متمثلة في الأطروحات التي جرّبتها البشرية أو لم تجرِّبها، وكلها ترفع شعار تحقيق الأمن والسلام العالمي، ولكنّها تختلف في المضامين والوسائل والأساليب، وأهمها: 1. السيطرة الدكتاتورية على كل العالم بالحديد والنار، بذريعة أنّها الوسيلة الوحيدة لضمان الأمن العالمي. هذه الأطروحة ـ كما نرى بوضوح ـ تحمل في داخلها تناقضاً تصعب إزالته أو تسويغه، حتى من قبل الذين يتبنونها: الأمر الذي يضطرهم لرفع شعارات أخرى لتسويغ نواياهم الحقيقية غير السليمة. وابرز من تبنى هذه الأطروحة: «النازية». 2. السيطرة الطبقية، أي سيطرة طبقة معينة على باقي طبقات المجتمع العالمي; باعتبارها المقدمة الوحيدة لخلاص البشرية من شرور الاستغلال والعدوان والاستعمار، والتي تحقق الانسجام الوحيد مع نوعية الإنتاج الاقتصادي; الأمر الذي يؤدي إلى توفير كل حاجات الناس دون استثناء، وقيام المجتمع الشيوعي الذي يحقق كل الرغبات العامة، وتختفي فيه الذاتية وتسوده الـ «نحن» الإنسانية، حتى لاتبقى هناك أيّة حاجة للقانون أو القضاء أو الدولة. وهذه الأطروحة ليست إلاّ خيالا جامحاً لاينسجم مع فطرة الإنسان وأصالتها; بل إنّها تنفي أيّة جذور فطرية، مما يؤدي بالتالي إلى نفي إنسانية الإنسان نفسها. وهذه النتيجة يرافقها بطبيعة الحال ـ اعتداء تاريخي مرير على كل مرافق الأمن ووسائل السلام، وسلب قاس للحريات والحقوق الإنسانية، وهو ما حفلت به التجربة التاريخة للأطروحة، من ممارسات عنف واضطهاد وسفك للدماء صادرت كل دعامة للأمن والسلام، ثمّ إنّها تجربة انهارت قبل أن تحقق أياً من أهدافها الأساسية. 3. الشعوب الحرة المتعايشة التي تحكمها النظم الديمقراطية، والتي تتنافس فيما بينها تنافساً حراً يعود على الإنسانية جمعاء بالخير والأمان. برغم أنّ هذه الأطروحة لم يصرح بها أحد بصورة نظرية متكاملة. ولكنّها تعبير عن الواقع الذي تدعو له الأطروحة الرأسمالية الليبرالية والديمقراطية تحت اسم «العولمة»، والتي تعتقد بأنّ الحرية هي أساس السعادة الإنسانية وهي التي تكفل تحقيق التكافؤ بين الشعوب، وبالتالي تعميم السلام في الأرض. وتفسِّر هذه الأطروحة الحرية بما ينسجم وتحقيق الفرد لطموحاته،