المتحاورين، ويكون منطق السيف والخوف هو المتحكم بمسار الحوار، ومن الطبيعي أن لاينم مثل هذا الحوار عن أيّة نتيجة نافعة. وإذا خصصنا الأمر في الحديث عن الحضارات، فإنّ إيجاد المناخ المناسب للحوار بينها، هو الشرط الأساس لدخول مثل هذا الحوار; لأنّ الحضارات تتباين فيما بينها في حجم القوة ونوعية الامتداد والاستمرار وطبيعة أدوات التعبير التي تمتلكها. والمناخ المناسب الذي يتمثل في الحوار المتوازن هو الوجه الآخر للعلاقة المتوازنة المتكافئة بين الحضارات، والتي تختفي فيها أدوات الضغط ومنطق الترغيب والترهيب. ولانقصد هنا بأدوات الضغط الأدوات العسكرية فحسب، بل أدوات الضغط بكل أشكالها ومضامينها، والتي تعبِّر عن تفوق طرف على آخر، ومنها الأدوات السياسية والاقتصادية والعلمية والتكنولوجية، وصولا إلى ادوات الاتصال والتعبير عن الرأي، بل حتى مناهج العلوم الاجتماعية والإنسانية، التي تؤسس لايدئولوجية التفوق والقوة لدى عرق دون آخر ولون دون آخر فهذه المناهج يمكنها أيضاً أن تكون أدوات للضغط خلال الحوار، فيستثمرها المتفوق في هذه المرحلة الزمنية[5]; للقيام بالتأثير النفسي على الأطراف الأخرى ومحاولة مصادرة آرائها، وإيقاع الهزيمة بها بسلاح المنهج العلمي المزعوم. الحوار وهدف تحقيق الأمن والسلام الأمان مطلب إنساني فطري يستمد جذوره من أهم غريزة وجدت في فطرة الإنسان، وهي غريزة «حب الذات». وتعمل هذه الغريزة مع باقي الغرائز الأخرى بشكل متناسق لتحقيق سير إنساني متوازن نحو الأهداف التكاملية العليا للإنسان; فلا يكفي وجود الدوافع الغريزية لتأمين المسير المتوازن، وإنّما يجب تأمين جو طبيعي للذات الفردية والذات النوعية; كي تدفعها ـ تلك الدوافع ـ نحو أغراضها المنشودة.