أمّا الحوار الذي يدعو إليه الإسلام، فهو حوار هادف، ويتسم بالتجرد والموضوعية والعلمية. وقد وضع القرآن للرسول (صلى الله عليه وآله) قواعد هذا الحوار في دعوته (قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم)[3]، ويريد بذلك الاتفاق على حد معين من أسس الحوار الموضوعي. كما أنّ الرسول (صلى الله عليه وآله)في قوله لنصارى نجران (وانا أو إيّاكم لعلى هدى أو فى ضلال مبين)[4]، يقصد التجرد في الحوار للوصول إلى الحقيقة مهما كانت، على الرغم من أنّه موقن بصحة معتقداته، إذ أنّ هذا اليقين لم يمنعه من الإيحاء إلى الطرف الآخر بأنّه سيدخل الحوار دون أن يحمل مواقف مبيّتة أو أحكاماً معدّة سلفاً. والقرآن الكريم مليء بمختلف ألوان ومظاهر الحوار، ولاسيما الحوارات التي يقف الأنبياء والصالحون طرفاً فيها، والطرف الآخر أقوامهم أو الحكام أو أتباع المعتقدات والديانات الأخرى. وقد رسم القرآن الكريم الخطوط العامة لمناهج وأساليب كل مظهر من مظاهر الحوار تلك. كما وضع أهدافاً مدروسة للحوار، فالحوار ليس هدفاً بذاته، بل هو وسيلة أهداف تعود بالفائدة على الدين الحنيف والإنسانية. وفيما يرتبط بفكرة حوار الحضارات بثوبها الجديد، فإنّها فكرة هادفة جادة، ولاتخرج عن كونها مبدأً إسلامياً ولغة قرآنية. ولعل من أبرز أهدافها محاولة التمهيد لتوازن دولي ووفاق علمي يكون فيه للحضارات والثقافات والحكومات والشعوب دور أساس، ومحاولة سد الباب أمام قوى الظلام والشر التي تمارس مختلف ألوان التمييز السياسي العنصري الجغرافي بين شعوب العالم، إضافة إلى كونه محاولة لتحقيق التكافؤ الشعور بالمسؤولية لدى كل من يقيم على هذا الأرض، تجاه الأرض وسكانها وبيئتها ومستقبلها. وبالتالي العمل المشترك على نشر السلام والأمن في كل العالم، وهو الهدف الذي يدعو إليه الإسلام... دين السلام والحوار. المناخ المناسب للحوار لاشك أن أىّ شكل من أشكال الحوار لابد وأن يتم في مناخ مناسب، يسوده الأمن والسلام، ويتسم بتكافؤ الفرص بين المتحاورين، وحرية التعبير عن الرأي; وأن لايكون حوار القوي والضعيف أو الحاكم المستبد والمحكوم، ففي هذه الحالة يضيع أي تكافؤ بين