وينظر إلى التقسيمات الحضارية والدينية والاثنية والدينية نظرة واقعية تستبطن كل عوامل الاختلاف وإمكانيات اللقاء، ولايتجاوز المسلم فيها مبادئه العقائدية وأسسه الشرعية. وسنحاول في هذا البحث الانطلاق من هذه الحقائق في النظر إلى موضوع العلاقة بين الحضارات; بهدف تركيز دعائم الطريق الذي يوصل البشرية جمعاء إلى التفاهم من أجل أمنها وسلامها. وهذا الطريق محفوف بالمخاطر والصعوبات والعقبات، وقضية إزالتها تحتاج إلى تعاضد الجهود وتلاقي الرؤى الخيِّرة لأبناء الإنسانية الذين يجمعهم مصير مشترك وواقع مشترك، سواء في حياتهم على الكرة الأرضية التي يتقاسمون تاريخها وجغرافيتها، أو في حياتهم الآخرة التي سيحصلون فيها على نتائج ماكسبت أيديهم. الحوار حاجة إنسانية منذ أن أحس الإنسان بحالة التنوع في المعتقد والمستوى المعيشي التوزيع الجغرافي والعمق التاريخي والانتماء الاثني مع الإنسان الآخر، فإنّه دخل في حلبة الصراع من أجل البقاء ومن أجل حياة أفضل أو من أجل فرض واقعه على الآخرين. وأثبتت هذه التجارب للإنسان طيلة آلاف السنين أنّه بحاجة إلى تقنين حالة الصراع والتدافع، وخفض نسبة سلبياتها إلى أدنى حد. ودفعته هذه الحاجة إلى تفهم وجهة نظر الآخر، من خلال الحوار تبادل الرؤى والأفكار. وأخذت أساليب الحوار مظاهر وألواناً مختلفة. وقد تناولها كثير من المفكرين والباحثين وعلماء الدين ورجال السياسة من منطلقات مختلفة ولغايات متنوعة، ولكن القاسم المشترك الذي كان يجمع هذه الرؤى والدعوات هو ضرورة الحوار الإنساني بشتى مضامينه ومجالاته. فظهرت دعوات للحوار بين الثقافات، وأخرى بين الأديان، وثالثة بين المذاهب، هكذا بين الشعوب والحكومات والقوميات وغيرها، فضلا عن الحوار بين الحضارات، والتي ظلت من الدعوات الأساسية والمهمة. وفي هذا المجال هناك رؤى متنوعة أيضاً، فهناك من يرى بأنّ حوار الحضارات يجب أن يتم بين الحضارات المتماثلة موضوعياً، مثلا: بين الحضارات الدينية أو الحضارات القديمة أو الحضارات القائمة أو المستمرة في وجودها أو بين المدنيات