فليس فيهم الآن من هو من نسل إبراهيم وسلالته المدعوّة، ولكنّهم وبلا استثناء أتباع وموال، ويا ليتهم حتّى آمنوا بما نزل عليهم، فبعد مقتل يحيى ورفع عيسى إلى السماء، انتهت السلالة الطاهرة إلى الأبد من نسل يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم، لتنتقل النبوّة إلى البيت الإسماعيلي، وإلى حفيده محمّد بن عبدالله (صلى الله عليه وآله) خاتم الأنبياء والمرسلين. وبرسالة الإسلام تكون نهاية رحلة الكفاح الذي لا نظير له لأبي الأنبياء إبراهيم من أجل إعلاء كلمة الله. وعوداً إلى الموضوع الأساسيّ للسورة، ألا وهو القصّة الحقيقيّة للمسيح: فكما عرضنا فيما سبق ولد المسيح بمعجزة لاتتكرّر، ولكن رغم ولادته بدون أب، إلاّ أنّه أنطق بالحقيقة وهو ما زال في المهد: (قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً * وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاة وَالزَّكَوةِ مَا دُمْتُ حَيّاً * وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيّاً * وَالسَّلاَمُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً * ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ). فرغم ولادته (عليه السلام) بهذه المعجزة، فهذا لايجعل منه إلهاً أو ابن إله، وتصديقاً لذلك نرى في ختام السورة القول الفصل في هذا الموضوع: (وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا * لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدّاً * تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الاَْرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدّاً * أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا * وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا * إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالاَْرْضِ إِلاَّ آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا). فكلّ مخلوقات الله، حتّى ولو كانوا الملائكة أنفسهم، عبيد لله، وليسوا أبناءه وأنداداً له جلّ وعلا، ومن يقول مثل هذا الشرك الفظيع يعلمه الله ويتوعّده: (لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا * وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا ). وما أبلغ القول القرآني في سورة النساء: (لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا