العذراء التقيّة الورعة آخر السلالة الطاهرة، التي تربّت ونشأت وتعلّمت على يد النبي زكريّا الذي كفلها لكي تكون الأمّ المأمولة للمسيح (عليه السلام). ومعاصرة سيّدنا عيسى لسيّدنا يحيى لا يتعارض مع هذا الرأي، لأنّ الله له حكمة في ذلك: 1 ـ أنّ الله تعالى في علمه قد علم ما طبع عليه اليهود من جحود ونكران للأنبياء، وكان في علمه أيضاً أنّهم ـ وهم قتلة الأنبياء ـ سينفذون حكم القتل في يحيى. 2 ـ لو انقطعت سلسلة الأنبياء، ومضت مدّة، ثم حدثت معجزة ميلاد المسيح، ما كان لأحد من البشر أن يصدّق تلك المعجزة، ولرميت مريم كما رماها اليهود بالبهتان والسوء، فكانت حكمة الله أن تتّصل السلسلة، ويقدّم الدليل والبرهان على المعجزة وعلى نبوّة عيسى. فقد أعطى يحيى المشعل أمام الجميع لعيسى، وطلب العماد منه، وهو الذي كان يعمد إيذاناً بانتهاء أجله على يد اليهود. (فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيّاً)وبشّرها الملاك جبريل بغلام زكيّ، وهي تتعجّب ولاتكاد تصدّق: كيف يكون ذلك؟!! وما كان ذلك بمعجز لله، وليتمّ الله مراده، وليجعله آيةً للناس ورحمة، وكان أمراً مقضيّاً لتحدث المعجزة، ويبقى الميراث في بني يعقوب، ويحمل عيسى مشعل النبوّة، ويكمل شجرة الميراث. ولكن كان ما كان، وأخذ اليهود موقفهم المعهود من أنبياء الله، وأجمعوا على قتله وصلبه أوّلاً لولا أن توفّاه الله ورفعه إليه، وليفضحهم الله شرّ فضيحة على نكرانهم وجحودهم وقتلهم الأنبياء بغير حقّ. وأصبحت القضية ـ قضية شجرة النبوّة، ووعد الله لإبراهيم ـ من جديد أصعب ما تكون، وما كان الله ليتحلّل من وعده، فغضبُ الله على اليهود وصل إلى الحدّ الفاصل لكي يسحب منهم التكريم الذي لم يستحقّوه، بقتلهم الأنبياء،