لم يتزوّج ولم ينجب[660]. وكان الاحتفال العظيم بتحقّق المعجزة بميلاد يحيى، والبشرى التي بلّغها زكريّا لقومه الذين كانوا في انتظار لها، كما يتّضح من الآية: (فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الِْمحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيّاً). فالقضيّة إذن لم تكن تخصّ زكريّا وحده، وإنّما تخصّ كلّ القوم والأتباع من اليهود، وهذا أيضاً يؤكّد ما ذهبنا إليه قبلاً من أنّه لم يكن هناك وريث للنبوّة في بيت آخر غير بيت زكريّا. وبينا كان يحيى يبلّغ رسالته، نجد الأتباع من اليهود ـ وهم القوم الناكرون الجاحدون ـ يتآمرون عليه، وتنتهي حياة يحيى النهاية المأسويّة المعروفة، دون أن يتزوّج أو ينجب الوريث، وتصل الأزمة إلى ذروتها; أزمة حقيقيّة لا مثيل لها من قبل، حيث انتهى النسل الموعود بميراث النبوّة بموت سيّدنا يحيى.. إلاّ من آخر النسل، ولكن وفي هذه المرّة يكون آخر النسل امرأة، امرأة تقيّة ورعة، عذراء بكر، مرعيّة من قبل الله عزّ وجلّ، للحكمة التي من أجلها بقيت كآخر ما تبقّى من نسل إبراهيم. أصبحت شجرة النبوّة مجدّداً في أزمة حقيقيّة، لم يسبق أن توافق لها وجود مأزق كهذا، وما كان الله ليخلف وعده عبده إبراهيم، ولم تكن النبوّة لتوهب لأحد من النساء، فهذا ناموس الله، وإلاّ لكانت مريم أحقّ من توهبها، وهي نهاية العقد الفريد في سلسلة الأنبياء من نسل يعقوب، بعد أن انتهت السلالة من الذكور بموت زكريا، ومقتل يحيى دون إنجاب الوريث. وكانت المعجزة الكبرى، لأنّ الله ما كان ليترك نسل يعقوب ولايرسل نبيّاً بعدُ إلاّ فيهم، ولمّا كانت النبوّة في الإناث محالة، فقد اختارها الله سبحانه وتعالى وهي