5 ـ واضح من كلّ ما سبق، ومن مجمل الآيات: أنّ النبوّة كانت في مأزق، فالنبوّة وُعد بها إبراهيم في نسله ـ وليس في أتباعه ـ وواضح أنّ زكريّا كان آخر سلالة إبراهيم ويعقوب من الذكور حتّى ذلك الحين (ومعروف أنّ النبوّة لا تكون إلاّ في الذكور). (يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلاَم اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيّاً * قَالَ رَبِّ أَنَّي يَكُونُ لِي غُلاَمٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيّاً * قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً * قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاَثَ لَيَال سَوِيّاً * فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الِْمحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيّاً * يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّة وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيّاً * وَحَنَاناً مِنْ لَدُنَّا وَزَكَوةً وَكَانَ تَقِيّاً * وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّارًا عَصِيّاً * وَسَلاَمٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ يَوْمَ يُبْعَثُ حَيّاً)[659]. وكانت رحمة الله بعبده زكريّا أن أجابه لسؤاله، ورزقه الوريث، لا وريثاً لملك الدنيا، بل وريثاً للنبوّة، لتنمو شجرة الأنساب وتمتدّ، وتخرج شجرة النبوّة من غياهب وتيه الأزمة والمأزق الذي كان يهدّدها بانقراض النسل المستحقّ للنبوّة، ويتهدّد وعد الله لإبراهيم، فوهبه الله صبيّاً فيه ما يميّزه عن غيره: 1 ـ الصبيّ يولد ويعطى اسماً لم يسمّ به أحد من قبل. 2 ـ أُوتي الكتاب والحكمة وهو ما زال صبيّاً، ومعروف أنّ النبوّة تكون بعد سنّ الرشد، ولله في ذلك حكمته: ربما لبلوغ زكريّا شيخوخةً أعجزته، أو ربما وافته المنيّة بعد ذلك بقليل، وموقف الأتباع محتاج إلى الموجّه والمرشد. 3 ـ وأُوتي يحيى إيماناً قويّاً وعظيماً من الله، وكان سيّداً وحصوراً، أي أنّه