5 ـ في الآيات السالفة تبدو توسّلاته وتضرّعاته إلى الله وكأنّها لاتختلف كثيراً عن تضرّعات أيّ إنسان آخر محروم من الولد الذي يحمل اسمه من بعده. 6 ـ لكن الحال هنا ـ وإلى هنا ـ يختلف بالنسبة للنبيّ زكريّا، فهو لايطمع في الولد ليس فقط ليرثه، ولكنّه ـ وهذا هو الفرق بينه وبين الإنسان العادي في مثل هذا الموقف ـ لايريد فقط وريثاً له، بل وريثاً للنبوّة من بعده، وقد جعلها الله ميراثاً في سلالة إبراهيم، ووعده بها، والله يوفي بوعده لعبده إبراهيم (يرثني ويرث من آل يعقوب). والملاحظة المنطقيّة هنا، والتي تفرض نفسها هي وبحقّ: أنّه لو لم يكن الموضوع مهمّاً، بل على درجة عالية من الخطورة، ما كان سيّدنا زكريّا يصيبه الهمّ إلى ذلك الحدّ، فخوفه على النبوّة وامتدادها، جعله يتوجّه إلى الله عزّ وجلّ بأن يعطيه وريثاً يرثه ويرث من بعده النبوّة، نبوّة آل يعقوب. ولنا هنا أيضاً ملاحظات: 1 ـ وراثة النبوّة ليست مستحقّة لكلّ من هَبَّ ودَبَّ، ولكنّها هبة توهب لمن يستحقّها، ومن يستحقّها يهتمّ لها، وتكون شغله الشاغل، كشغل زكريّا عليها وعلى مستقبلها. 2 ـ أنّ الأمم يشرّفها الله بأن يهبها النبوّة، ويفضّلها ببعث نبيّ فيهم، فإن غضب الله على هذه الأمّة سلبها النبوّة. 3 ـ الموالي والأتباع الذين قصدهم النبيّ زكريّا هم بلاشكّ اليهود، وكان زكريّا يخشى على النبوّة منهم (وإنّي خفت الموالي من ورائي). 4 ـ كان هؤلاء الموالي على درجة ضعيفة من الإيمان، ويمثّلون خطورة على النبوّة من بعد موته، أو أنّه كان يخشى عليهم أن يضلّوا ضلالاً بعيداً لو انقطعت النبوّة فيهم.