فالنبوّة في نسل إبراهيم ميراث، والله عزّ وجلّ يكشف لنا الحقيقة الغائبة، وينزّلها على المصطفى (صلى الله عليه وآله) لمّا غُيِّرت الحقيقة من قبل أتباع السيّد المسيح، وجعلوا منه إلهاً أو ابن إله. أمّا القصّة الحقيقيّة فتبدأ بوارث النبوّة سيّدنا زكريا (عليه السلام)، حيث اقتضت رحمة الله به أن يلبّي له دعاءه الخاصّ الخفيّ كما تقول الآيات: (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * كهيعص * ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا * إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيّاً * قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيّاً * وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً * يَرِثُنِ وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيّاً). فشجرة ميراث النبوّة، وآخرها حتّى ذلك الحين: قصّة زكريا (عليه السلام) لمّا توجّه إلى الله بالدعاء الخفيّ الصادق بأن يعطيه الولد، وقد طالت فترة انتظاره لقدوم الوريث الذي سيحمل اسمه، بعد أن طالت فترة الانتظار إلى حدٍّ يمكن معه فقدان الأمل، حيث أصبح الرجل عجوزاً، وقد تجاوز السنّ، وزوجته كانت عاقراً طيلة حياتها إلى أن وصلت تلك السنّ التي يستحيل معها الإنجاب. ولنا هاهنا عدّة ملاحظات: 1 ـ نحن هنا بصدد رجل قويّ الإيمان بالله، عظيم الثقة في رحمته. 2 ـ سيّدنا زكريّا وكما هو معروف ينحدر من سلالة يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم (عليهم السلام). 3 ـ والرجل نبيّ من أنبياء الله، وعلاقته بالله قويّة. 4 ـ والرجل على بيّنة من تاريخ آبائه وأجداده، وموكول إليه حمل مشعل النبوّة، ومهموم بهمومها، ويخشى عليها من التوقّف والانقطاع، ويخشى عليها من مواليه، (والموالي في الآيات هم الأتباع)[658].