وعمدة الكلام: أنّ الكهّان كانت لهم لغة خاصّة، تمتاز بتسجيع وترصيع وترصيف خاصّ، يعرف بسجع الكهّان، فيه من التعقيد والغموض الشيء الأوفر، وهو بيت القصيد. ولعلّهم كانوا يتوخّون ذلك للتمويه على الناس بعبارات تحتمل غير وجه، كما يفعل بعض مشايخ التنجيم في هذه الأيّام، حتّى إذا لم يصدق تكهّنهم جعلوا السبب قصور الناس في فهم النصّ؟! ومن أمثلة سجع الكُهّان ما يروونه عن «طريفة» كاهنة اليمن، حين خاف أهل مأرب سيل العرم، وعليهم مزيقياء عمرو بن عامر، فإنّها قالت لهم: «لاتؤمّوا مكة حتّى أقول، وما علّمني ما أقول إلاّ الحَكَمُ المحكَّم، ربّ جميع الأمم، من عرب وعجم». قالوا لها: ما شأنك يا طريفة؟! قالت: «خذوا البعير الشذقم، فخضّبوه بالدم، تكن لكم أرض جرهم، جيران بيته المحرَّم»[439]. ومن أشهر كهّان العرب سُطَيح الغسّاني أكهن الناس، فقد كان أنذر لسيل العرم. قيل من كهانته: تعبيره لرؤيا رآها كسرى فهالته، وكتب إلى عامله بالحيرة أن يوجّه إليه رجلاً من علمائهم من أصحاب العلم بالحَدَثان، فبعث إليه عبد مسيح بن نُفَيلة الغسّاني فأخبره كسرى بالخبر، فعجز عن الإجابة، وعرض عليه أن يوجّهه إلى خاله سُطيح بالشام فجهّزه، وأتاه وكان محتضراً، فأخبره برؤيا الملك كسرى، فرفع سطيح رأسه وقال: أيا عبد المسيح! على جمل مشيح (أي سريع) أَقْبَلَ على طيح، وقد وافى على الضريح (أي القبر، كناية عن قرب احتضاره). بعثك ملك ساسان، لارتجاج الأيوان، وخمود النيران، ورؤيا المؤبذان: رأى إبلاً صعاباً، تقود خيلاً عراباً، حتّى اقتحمت الواد وانتشرت في البلاد. أيا عبد المسيح! إذا ظهرت التلاوة (تلاوة نصّ الوحي أي القرآن) وظهر صاحب