وعليه، فالألفاظ والعبارات هي بدورها خلو من أيّ معنى، ولكنّها جاهزة لاستلهام ما يرد عليها من معاني! وبمثل هذه السفسطة الفاضحة لهج بعض من شغفتهم فلسفة بني الأصفر، زاعمين: أن ليست العبائر بالتي هي حُبلى لتلد، وإنّما هي غرثى تهفو إلى ما يغذّيها من معاني، ليكون اللفظ فارغاً يحتمل ما حمّله عليه المفسّرون! وكان المفسّر هو الذي يقوم بإيحاء المعاني وشحنها في النصّ حسبما ما راقه من أهداف وأغراض[436]. قلت: ولعمر الحقّ إنّهم في سكرتهم يعمهون، كيف يتصوّرون من لافظ هو ناسج الكلام، لا قصد له وراء لفظه ونسجه سوى الإدلاء بقوالب لفظيّة فارغة، ليشحنها إيحاءات مستوردة؟! وقد عرفت من كلام شليرماخر ـ الممهّد لسبيل الهرمنيوطيقا الغربيّ ـ تأكيده على فرض العلاقة قائمة بين المؤلّف والنصّ، ليكون النصّ مَعْبَراً إلى ما يدور بخلد المؤلّف ذاته. إنّ الكلام لفي الفؤاد وإنّما *** جعل الكلام على الفؤاد دليلاً وأن لا دور للمفسّر سوى دور كاشف لمفهوم النصّ عن طريق فهم المؤلّف ذاته. وأين هذا من القول بعزل المؤلّف عن أيّ علاقة بينه وبين مفهوم النصّ، وإيكال الأمر إلى إيحاءات المفسّرين؟! إن هذا إلاّ كلام فارغ، لا محصَّل له، ولا معنى معقولاً. الحاجة إلى التفسير: نعم، كانت الحاجة إلى التفسير من قِبَل: أنّ الوحي القرآني لمّا كان كتاب هداية