قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «وهو كتاب فيه تفصيل وبيان وتحصيل، وهو الفصل ليس بالهزل، وله ظهر وبطن، فظاهره حكم وباطنه علم. ظاهره أنيق وباطنه عميق... لا تُحصى عجائبه ولا تُبلى غرائبه، فيه مصابيح الهدى ومنار الحكمة، ودليل على المعرفة، لمن عرف الصفة..»[428]. نعم، له ظاهر لائح وباطن عميق، فظاهره حكم وباطنه علم عريق، يسير مع الأزمان ويتّسع سعة الآفاق، ومن ثمّ فلا تنقضي عجائبه، ولا تنتهي حقائقه عبر الأيام، وهو غضّ طريّ مع كلّ قوم، ومع جميع الأجيال. قال الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السلام): «سأل رجلّ أبا عبدالله الصادق (عليه السلام): ما بال القرآن لا يزداد على النشر والدرس إلاّ غضاضة؟! قال: إنّ الله تبارك وتعالى لم يجعله لزمان دون زمان، ولناس دون ناس، فهو في كلّ زمان جديد، وعند كلّ قوم غضّ إلى يوم القيامة»[429]. وهذه الغضاضة وتلكم الطراوة إنّما هي رهن تلكم المفاهيم العامّة التي انطوت عليها ظواهر التعبير، حيث كان للقرآن ظهر هو قيد التنزيل، خاصّ ومحدود النطاق، وكان له وراء هذا الظاهر المحدود، مفهوم أوسع وأشمل، يجري مع جري الزمان، ويزهو في كلّ صقع، وفي كلّ آن بوجه مشرق ريّان; كطلوع الشمس والقمر عبر الأيام. وقضية الظهر والبطن ممّا أكّد عليه نبيّ الإسلام (صلى الله عليه وآله) في مواقف، مذكّراً ومنبّهاً للأُمّة، ومحرّضاً على السعي وراء العثور على تلك المفاهيم العامّة الخابئة وراء ستار اللفظ، والتي كانت تشكّل الهدف الأقصى الذي تستهدفه الآيات.