روى أبو الفتح الكراجكي (ت 449هـ ) بالإسناد إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: «إنّ الله أنزل القرآن علَيّ بكلام العرب، والمتعارف من لغتها»[423]. نعم كانت لدلالة الكلام مراتب متلاحقة، فمن ظاهر سطحيّ فإلى باطن عمقي، وعلى درجات. قال تعالى: ( أَنزَلَ مِنَ السَّماءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةُ بِقَدَرِهَا)[424]، كلّ يغترف منه بقدر ما استعدّ له، وأعدّ له من طاقات. قال الراغب الأصبهاني: «القرآن وإن كان هداية للبريّة، فإنّهم لن يتساووا في معرفته، وإنّما يحيطون به بحسب درجاتهم واختلاف أحوالهم.. فالبلغاء تعرف من فصاحته، والفقهاء من أحكامه، والمتكلّمون من براهينه العقليّة، وأهل الآثار من قصصه، ما يجهله غير المختصّ بفنّه. وقد عُلم أنّ الإنسان بقدر ما يكتسب من قوّته في العلم، تتزايد معرفته بغوامض معانيه»[425]. قال الإمام الصادق (عليه السلام): «كتاب الله عزّ وجلّ على أربعة وجوه: على العبارة، والإشارة، واللطائف، والحقائق. فالعبارة للعوامّ، والإشارة للخواصّ، واللطائف للأولياء، والحقائق للأنبياء»[426]. فالعبارة الظاهرة يفهمها عامّة الناس وعلى مختلف مستوياتهم، فهماً مقتصراً على ظاهر الكلام السطحي، والإشارات توحي بدقائق المعاني، حيث يتنبّه لها المتعمّقون، أمّا اللطائف وظرائف التعبير فإنّما يلمسها أصحاب القرائح الوقّادة من ذوي النفوس الطاهرة (لاَ يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ)[427]. وتبقى حقائق شرائع الدين يتحمّلها أصحاب الرسالات إلى الملأ من كافّة الناس.