وينطلق شليرماخر لوضع قواعد الفهم من تصوّره لجانبي النصّ: اللغوي والنفسي يحتاج المفسّر للنفاذ إلى معنى النصّ إلى موهبتين: الموهبة اللغويّة، والقدرة على النفاذ إلى الطبيعة البشريّة، وهل يوجد ثمّة قواعد لكيفيّة تحقيق ذلك[413]؟ هناك إذن في أيّ نصّ جانبان: جانب موضوعيّ يشير إلى اللغة، وهو المشترك الذي يجعل عمليّة الفهم ممكنة، وجانب ذاتيّ يشير إلى فكر المؤلّف، ويتجلّى في استخدامه الخاصّ للّغة. وهذان الجانبان يشيران إلى تجربة المؤلّف التي يسعى القارئ إلى إعادة بنائها، بغية فهم المؤلّف أو فهم تجربته. هذان الجانبان ـ الموضوعي والذاتي، أو اللغوي والنفسي ـ بفرعيهما التاريخي والتنبؤي[414]، يمثّلان القواعد الأساسية، والصيغة المحدّدة لفنّ التأويل عند «شليرماخر»، وبدونهما لايمكن تجنّب سوء الفهم. نعم، إنّ مهمّة الهرمنيوطيقا هي فهم النصّ كما فهمه مؤلّفه، بل حتّى أحسن ممّا فهمه مبدعه[415]. وبذلك حاول «شليرماخر» أن يجعل من الهرمنيوطيقا «فنّاً» مستقلاًّ بذاته عن أيّ مجال. فإنّ كلاسيكيّته تتبدّى في حرصه على وضع قوانين ومعايير لعمليّة الفهم، ومن ثَمّ لعمليّة تفسير النصوص. إنّه يحاول أن يتجنّب «سوء الفهم المبدئي» في أيّ عمليّة تفسير.