فقد بدأت دراسة الفنّ عامّة، والأدب خاصّة، بتحليل العلاقة بين الإبداع والعالم الواقعي الذي نعيش فيه، وانتهت على يد كلّ من أفلاطون وأرسطو ـ وحتّى العصر الحديث فيما عرف بالكلاسيكيّة ـ إلى تأكيد دور الواقع الخارجيّ على حساب الفنّان أو المبدع، فيما عرف بنظريّة المحاكاة. وانتهت هذه النظريّة في تفسير العمل الفنّي والأدبي إلى محاولة البحث عن الدلالات الخارجيّة التي يشير إليها العمل! واتّحدت هذه الدلالات الخارجيّة عند افلاطون مع الحقيقة الفلسفيّة المتوارية وراء عالم الظواهر..»[411]. وهكذا جرى على منواله أصحاب الفكرة الكلاسيكيّة الحديثة التي يمثّلها المفكّر الألماني «شليرماخر» (1843م) في موقفه الكلاسيكي بالنسبة للهرمنيوطيقا. ويعود إليه الفضل في أنّه نقل المصطلح من دائرة الاستخدام اللاهوتي، ليكون علماً أو فنّاً لعمليّة الفهم وشروطها في تحليل النصوص. وهكذا تباعد شليرماخر بالتأويليّة بشكل نهائي عن أن تكون في خدمة علم خاصّ، ووصل بها إلى أن تكون علماً بذاتها، يؤسّس عمليّة الفهم، وبالتالي عمليّة التفسير. وتقوم تأويليّة «شليرماخر» على أساس: أنّ النصّ عبارة عن وسيط لُغوي ينقل فكر المؤلّف إلى القارئ، وبالتالي فهو يشير في جانبه اللغوي إلى اللغة بكاملها، ويشير في جانبه النفسي إلى الفكر الذاتيّ لمبدعه. والعلاقة بين الجانبين ـ فيما يرى شليرماخر ـ علاقة جدليّة. وكلّما تقدّم النصّ في الزمن صار غامضاً بالنسبة لنا، وصرنا ـ من ثَمّ ـ أقرب إلى سوء الفهم لا الفهم. وعلى ذلك لابدّ من قيام «علم» أو «فنّ» يعصمنا من سوء الفهم، ويجعلنا أقرب إلى الفهم[412].