وتتزايد المعضلة تعقيداً إذا تساءلنا عن علاقة ثلاثيّة (المؤلّف ـ النصّ ـ الناقد) بالواقع الذي تتمّ فيه عمليّتا الإبداع والتفسير. وتزداد حدّة التعقيد إذا كان النصّ ينتمي إلى زمن مغاير وواقع مختلف لزمن التفسير وواقعه، أي إذا كان المؤلّف والناقد ينتميان إلى عصرين مختلفين، وواقعين متمايزين[410]. غير أنّ هذا الإنكار لايعود إلى محصّل، بعد أن علمنا أنّ الألفاظ والكلمات هي أدوات آليّة، يستخدمها المؤلّف لإبداء مقاصده حسبما تعارفه عرفه الخاصّ. وبذلك تبدو العلاقة القائمة بين المؤلّف والنصّ علاقة مباشرة، نظير العلاقة القائمة بين العامل والأداة التي يستخدمها في إنجاز عمله، فكلّ أثر تتركه الأداة، إنّما هو أثر مباشر نشأ عن قصد العامل بالذات، ولكن عبر الأداة. أمّا دور الناقد أو المفسّر فهو دور كاشف، يسعى وراء الكشف عن قصد المؤلّف الذي أوفاه عبر النصّ (الألفاظ والكلمات)، ولا شأن له في تفسير النصّ سوى ما عثر عليه من شواهد ودلائل تهديه إلى مدلول النصّ، حسب الأوضاع والأحوال المكتنفة به حين الصدور محضاً. وعليه، فإنّ الناقد البصير إنّما يحاول أن يجعل نفسه في بحبوحة من تلك الشرائط والأحوال، وليتمكّن من خلالها الغور إلى أعماق فكرة المؤلّف، حسبما مهّدته له مناسباته الخاصّة وعرفه الخاصّ. يقول الأستاذ أبو زيد: «لقد حاولت نظريّة الأدب ـ في مسار تطوّرها التاريخي ـ أن تعالج جوانب مختلفة من هذه المعضلة، وتوقّفت كلّ نظريّة ـ في إطار ظروفها التاريخيّة ـ عند جانب أو أكثر من هذه الجوانب، مؤكّدة أهمّيته على حساب الجوانب الأخرى.. واستعراض سريع لهذه النظريّات يؤكّد أنّ جانب علاقة النصّ بالمفسّر ظلّ جانباً مهملا، أو غائماً في أحسن الأحوال..