وتفهمها الجماعة، وإذا بالنوع الثاني يهدف إلى تأويل النصّ إلى ما يكون علاجاً لقضايا راهنة، وفي مختلف الظروف والشرائط والأحوال، باعتبار أنّ النصّ صدر علاجاً لمشكلة الإنسان في كلّ زمان، ومن غير أن يكون محدوداً بشرائط عصر النزول، الأمر الذي يجعل من القرآن ذات رسالة خالدة، ترافق الإنسان في مسيرته مع الأبد. وهنا تجدر الإشارة إلى أنّ التمايز بين الاتّجاهين ـ في الواقع العملي ـ لم يكن حاسماً بمثل هذا الوضوح الذي تطرح به القضيّة على المستوى النظري، فلم تخلُ كتب التفسير بالمأثور من بعض الاجتهادات التأويليّة، حتّى عند المفسّرين القدماء[405]. ومن جانب آخر لم تتجاهل كتب التفسير الاجتهادي المعتمد على التأويل وإعمال النظر، لم تتجاهل الحقائق التاريخيّة واللغويّة، وحتّى الأحاديث المرويّة المتّصلة بالنصّ. وللمعضلة بعدُ: بُعدها الميتافيزيقي (صلة روحيّة مع مبدء الملكوت الأعلى) الذي تنبّه له نبهاء المفسّرين من كلا الفريقين، كيف الوصول إلى المعنى «الموضوعي» للنصّ القرآني (إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتَاب مَكْنُون * لاَيَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ)[406]. وهل في طاقة البشر بمحدوديّتهم ونقصهم الوصول إلى «القصد» الإلهي في كماله وإطلاقه؟! ومن ثَمّ شرطوا للفهم الأوفى للنصّ استعداداً ذاتيّاً، يحصل بمراوضة التقوى والعزم على الصلاح، لتصقل النفس، وتصفو عن الأكدار المانعة عن تجلّيات الروح، والإفاضة عليها من عالم الملكوت.