وجودها الملحّ في تراثنا الإسلامي القديم والحديث على السواء. وينبغي أن نكون على وعي دائم ـ في تعاملنا مع الفكر الغربي في أيّ جانب من جوانبه ـ بأنّنا في حالة حوار جدليّ، وأنّنا يجب علينا أن لا نكتفي بالاستيراد والتبنّي، بل علينا أن ننطلق من همومنا الراهنة في التعامل مع واقعنا الثقافيّ بجانبيه التاريخي والمعاصر. إنّ صيغة «الحوار الجدلي» ليست صيغة تلفيقية، تحاول أن تتوسّط بين نقيضين، بل هي الأساس الفلسفي لأيّ معرفة، وهي تتعامل مع المعارف الموروثة والمستوردة، القديمة والحديثة، لتختار الأوفر حظّاً من الحقيقة، والأقرب نسباً مع الواقع الراهن. إنّ أيّ موقف يقوم على الاختيار، موقف نظريّ اجتهاديّ قائم على أساس البحث والنقد، ثمّ انتخاب الأفضل وانتقاء الأكمل، كما قال تعالى: (فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ)[403]، وهذا هو مبدأ التعارف مع أعراف مختلف فئات الناس[404]، ومن ثمّ فإنّ اختيارنا قائم على الحوار الذي يدعم موقفنا. هناك في تراثنا الإسلامي العريق، وعلى مستوى تفسير النصّ الديني (القرآن الكريم) تفرقة بائنة بين ما أُطلق عليه «التفسير بالمأثور»، وما أُطلق عليه «التفسير النظري» القائم على أساس إعمال الرأي والاجتهاد، بما يؤدّي أحياناً إلى تأويل النصّ إلى ما يتجاوز محدودة ظاهر النصّ السطحي. بينما النوع الأوّل يهدف إلى الوصول إلى معنى النصّ عن طريق تجميع الأدلّة التاريخيّة واللغويّة التي تساعد على فهم النصّ فهماً موضوعيّاً، أي كما فهمه المعاصرون لنزول هذا النصّ، من خلال المعطيات اللغويّة التي يتضمّنها النصّ