الأمر الذي أخذه النبهاء بجدٍّ، وأكّدوا عليه; لتكون عنايته تعالى مرافقةً لمزيد فهم كلامه تعالى حيث مغزاه الأصيل. هذا الراغب الأصبهاني ذكر الشرط لفهم النصّ القرآني أموراً، كان العاشر منها والأهمّ هو: علم الموهبة.. وذلك علم يورثه الله من عمل بما عَلِم[407]. قال الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام): «قالت الحكمة: من أرادني فليعمل بأحسن ما علم»[408]. قال تعالى: ( يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُوا الألْبَابِ)[409]. وهذا يعني: الإلهام منه سبحانه يفيض على قلب من يشاء من عباده الصالحين، فما لم يستعدّ المفسّر، ولم يطهّر نفسه من كبائر الأوهام، لم يخلص إلى زلال فهم كلام الله المكنون، إذ لايمسّه إلاّ المطهّرون. ويتجلّى وجود المعضلة في تراثنا النقدي الحديث على المستوى العملي التطبيقي، إذ الوعي بها على المستوى النظري ـ الاجتهادي ـ ليس واضحاً كلّ الوضوح. فالنصّ الأدبي يتّسع للعديد من التفسيرات التي تتنوّع بتنوّع اتّجاهات النقّاد ومذاهبهم، هذه الاتّجاهات ليست في حقيقتها سوى صياغة لموقف الناقد الاجتماعي والفكري من واقعه. وتتمثّل المعضلة الحقيقيّة في أنّ كلّ ناقد يزعم أنّ تفسيره للنصّ هو التفسير الوحيد الصحيح، وأنّ مذهبه النقدي هو المذهب الأمثل للوصول إلى المعنى «الموضوعي» للنصّ كما قصده مؤلّفه. وهكذا لايكتفي الناقد بتجاهل العلاقة بين موقفه الذاتيّ من الواقع وبين المنهج الذي يتبنّاه لتحليل النصّ، بل يوحّد بشكل صارم بين تفسيره للنصّ والنصّ نفسه، كما أنّه يوحّد بين النصّ بكلّ علاقاته