بهذه الروح الإنسانية يوجّه الله تعالى المؤمنين في تعاملهم، بعد أن يوضّح لهم وظائفهم الدعوية، لا التحميلية وفرض الرأي على الآخرين حتّى لو كانوا مشركين (وَلَوْ شَاءَ اللهُ مَا أَشْرَكُوا وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِم بِوَكِيل)[56]. والنصوص الإسلامية في النهي عن السبّ واللعن معروفة، فإذا كان هذا هو الحال مع المشركين، فكيف يكون الأمر والحال أنّ المفروض هو الحوار بين مسلمَيْن أخوَيْن يعملان لهدف واحد، ويشعر كلٌّ منهما بالآم الآخر وآماله؟! فإنّ الموقف لايتحمّل مطلقاً احتمال الإهانة، وخصوصاً للأمور التي يؤمن الآخر بقدسيّتها; لارتباطها بمعتقداته الأصيلة. السابع: الحرّية في اختيار المذهب ذلك أنّنا بعد أن اعتبرنا المذاهب نتيجة اجتهادات سمح بها الإسلام علينا أن نعدّها سبلاً مطروحة للإيصال إلى مرضاة الله تعالى. وحين تختلف فإنّ من الطبيعي أن يدرس المسلم هذه المذاهب، وينتخب الأفضل منها، وفق معاييره التي يؤمن بها، والتي يشخّص من خلالها أنّه أبرأ ذمّته أمام الله، وأدّى أمانته وعهده. وحينئذ فليس لأحد أن يلومه على اختياره، حتّى ولو لم يرتح لهذا الاختيار. كما أنّه لا معنى لإجبار أحد على اخيتار مذهب ما، لأنّ ذلك ممّا يرتبط بالقناعات الإيمانية، وهي أمر لا يمكن الوصول إليه إلاّ بالدليل والبرهان. وهنا أؤكّد أنّ لكلّ مذهب الحقّ في توضيح آرائه ودعمها دونما تعدٍّ على الآخرين أو تهويل أو تجريح، فلا ندعو إلى إغلاق باب البحث المنطقي السليم في العقيدة أو الفقه أو التاريخ، وإنّما نرفض محاولات الاستغلال السيّء والاستضعاف، والجدال العقيم، وفرض الرأي... وأمثال ذلك. ونحن نعتقد أنّ ما جرى من تعدٍّ خلال تاريخنا الطويل ناشئ من عدم الالتزام بقواعد الحوار المطلوبة، ونسيان حقيقة أنّ جميع المذاهب تعمل لإعلاء كلمة الإسلام وفق تصوّرها عن هذه الكلمة.