دور العلماء والمفكّرين في عملية التقريب لاشكّ أن العبء الأكبر من العملية يقع على عاتق هؤلاء في مجال التقريب، ذلك لأنّهم من جهة ورثة الأنبياء وحَمَلة الدعوة وبناة الجيل، وهم من جهة أخرى أعلم بالأُسس التي يعتمدها التقريب، وأكثر أثراً في توحيد الصفوف، وتحقيق خصائص الأمة. وإذا أردنا أن نقترح باختصار الأدوار التي يجب أن يقوموا بها، اقترحنا ما يلي: 1 ـ ضرورة التعمّق في أسس هذه الحركة وقيمها، وتأصيلها في نفوسهم، وعكسها في بحوثهم ودراساتهم وكتاباتهم، بل وأخذها بعين الاعتبار في استنباطاتهم الفقهية والفكرية، وملاحظتها كأصل توجيهي، ومصلحة مرسلة مهمّة تُقدَّم في مجال التزاحم على الأحكام الأقلّ أهمية بمقتضى قواعد التزاحم المعروفة في أصول الفقه. ومن هنا فقد دعونا في بعض المؤتمرات الدولية إلى دعم حركة «التقريب الفقهي»، ومحاولة التركيز على تقريب الآراء الفقهية. فإنّ كثيراً ما نجد أنّ بعض النزاعات الفقهية بعد التأمّل فيها تحوّل إلى خلافات لفظية ناتجة عن اختلاف زوايا النظر أو اختلاف في المصطلحات، كما نجد الأمر كذلك في بعض البحوث الأصولية; كالبحث عن القياس أحياناً، والاستحسان، وسدّ الذرائع... وأمثالها، وهو اتّجاه نلاحظه في بعض الكتب الأصولية من قبيل «أصول الفقه» للمرحوم العلاّمة الشيخ محمد رضا المظفّر، والمرحوم العلاّمة السيد محمد تقي الحكيم، وقد وفّقنا الله للتتلمذ على يديهما. وهنا لابدّ أن أُشير إلى كثير من الكتابات المغرقة في تعميق الخلاف، وإعطائه أبعاداً متخيّلة توحي للقارئ أنّ اللقاء مستحيل، وأنّ الخلاف يستشري في كلّ المجالات، بحيث لا معنى لتصوّر أيّة عملية تقريب بينها! وإنّي لأظنّ أنّها كتابات تجافي الحقيقة، وتتناسى وحدة المنابع، ووحدة الأساليب والملاكات، ووحدة الهدف. 2 ـ العمل المنسَّق على توعية الأمة، والانتقال بثقافة التقريب إلى المستوى الجماهيري، فلا يشعر الفرد المسلم تجاه الآخر إلاّ بشعور الأُخوّة الصادقة، والتعاون رغم الاختلاف المذهبي، وتتّسع الصدور للممارسات والتعدّدية المذهبية، وتنتفي المشاحنات العاطفية