ويقول الإمام أحمد بن حنبل: «من ضيق علم الرجال أن يقلّدوا الرجال». وهذا بالضبط ما أكّد عليه العلماء الكبار بعد ذلك. الثالث: تجنّب التكفير والتفسيق والاتّهام بالابتداع ونحن نعتبر مسألة التكفير من المصائب التي ابتُلي بها تاريخنا، فرغم النصوص الشريفة التي تحدّد المسلم من جهة، وتمنع من التكفير للمسلم من جهة أُخرى[50] لاحظنا سريان هذه الحالة التي حجّرت على العقل أيّ إبداع أو مخالفة، حتّى أنّنا شاهدنا من يؤلّف كتاباً، ويرى أنّ مخالفة حرف واحد فيه تؤدّي إلى الكفر! وهذا أمر غريب[51]. ومن هنا فنحن ندعو إلى التحوّل بالمسألة من «الإيمان والكفر» إلى مرحلة «الصواب والخطأ»، متحلّين في ذلك بروح القرآن التي تدعو إلى الموضوعية، حتّى في النقاش مع الكفّار الحقيقيّين حينما يخاطب الرسول أن يقول لهم: (وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدىً أَوْ فِي ضَلاَل مُبِين)[52]. الرابع: عدم المؤاخذة بلوازم الرأي من المنطقي أن يُحاسب الإنسان على رأيه، ويناقش بكلّ دقّة وأناة، إلاّ أنّنا اعتدنا على مناقشات تبتني على لوازم الآراء، وبالتالي يأتي التكفير والاتّهام بالابتداع، في حين أنّ صاحب الرأي قد لايقبل تلك الملازمة. وكمثال على ذلك، نجد البعض ممّن يؤمنون بمسألة التحسين والتقبيح العقليّين، يصفون من لايقبلون بهما بأنّه أمر يغلق باب الإيمان بصدق النبي، استناداً إلى أن ما يدفع احتمال كذب النبي الآتي بالمعجزة هو حكم العقل بقبح إجراء المعجزة على يد الكاذب عقلاً، فإذا فرضنا عدم وجود أيّ تقبيح عقلي، فمعنى ذلك أنّنا اغلقنا باب الإيمان بالنبوّة! وهكذا يقال بالنسبة لمسألة طاعة الله تعالى، فإنّ الملزم لنا بإطاعته تعالى هو العقل لا غير.