النهي على التنازع العملي المُذهِب للقوة، والتفرّق في الدين، والتحزّب الممزّق، وأمثال ذلك. وهذا يعبّر عن عقلانية الإسلام ومنطقيّته. وعليه فيجب أن يوطّن الفرد المسلم، عالماً أو متعلّماً، مجتهداً كان أو مقلِّداً، على تحمّل حالة المخالفة في الرأي، وعدم اللجوء إلى أساليب التهويل والتسقيط وأمثالها، وحينئذ يكون الخلاف أخوياً وودّياً. ونشير هنا إلى ورود نصوص كثيرة تدعو المؤمن للصبر والمداراة وسعة الصدر، ويمكن عكسها على واقعنا الحالي. ونحن نذكر هنا هذا النصّ عن الإمام الصادق (عليه السلام)، حيث جرى ذكر قوم، فقال الراوي: إنّا لنبرأ منهم، إنّهم لايقولون ما نقول، فقال الإمام: «يتولّونا ولايقولون ما تقولون، تبرأون منهم؟» قلت: نعم، قال: «هو ذا عندنا ما ليس عندكم، فينبغي لنا أن نبرأ منكم ـ إلى أن قال: ـ فتولّوهم ولاتبرأوا منهم. إنّ من المسلمين من له سهم، ومنهم من له سهمان... فليس ينبغي أن يحمل صاحب السهم على ما عليه صاحب السهمين...»[48]. وتعامل أئمة المذاهب فيما بينهم مثال رائع على هذه الحقيقة، وسيطول بنا لو تعرّضنا لما يرويه التاريخ عن ذلك[49]. كما أنّنا نجد هؤلاء الأمة لا يسدّون باب الاجتهاد على غيرهم، بل يحرّمون اتّباع رأيهم لو ثبت لدى أحد دليل على خلافه. وسنكتفي بذكر الأقوال التالية وإن قد أشرنا إليها من قبل: عن الإمام مالك بن أنس: «إنّما أنا بشر أُصيب وأُخطئ، فاعرضوا قولي على الكتاب والسنّة». ويقول الإمام الشافعي: «إذا صحّ الحديث بخلاف قولي، فاضربوا بقولي الحائط». ويقول الإمام أبو حنيفة: «هذا رأيي، وهذا أحسن ما رأيت، فمن جاء برأي غير هذا قبلناه، حرام على من لم يعرف دليلي أن يفتي بكلامي».