ظلّوا يضحّون من أجل رعاية مصالح الأمة ووحدتها، وتغليب هذه المصالح على أيّ شيء آخر، من منطلق الرسالة التي كلّفوا بحملها. كما ظلّت علومهم هي المنار الذي يهدي الأمة إلى الطريق القويم. وكانت القضية الأولى هي قضية الخلافة، إذ صمت الإمام علي (عليه السلام) حيالها، برغم تصريحه بأحقّيته فيها، وذلك حرصاً على مصلحة الأمة التي كانت تعيش مرحلة تثبيت الأقدام والفتوحات، وتوسيع رقعة الدولة الإسلامية، ولم يسمح لمن أراد أن يلوّح بورقة الخلافة لتفريق الأمة بتمرير مخطّطه، وهو ما حدث مع أبي سفيان، الذي دعاه عقيب السقيفة بأن يتصدّى للخلافة، فنهره الإمام علي وفضح أمره، بل إنّ الإمام علي لم يبخل بأيّة مشورة للخلفاء الراشدين. ويكفي أن نراجع الخطبة الشقشقية، وكتابه إلى أهل مصر الذي بعثه مع مالك الأشتر، لنقف على مجمل هذه الحقائق[23]. وفي السياق نفسه تأتي مواقفه في مرحلة خلافة عمر بن الخطاب، فحين استشاره الخليفة في أن يخرج بنفسه لغزو الروم، فإنّ الإمام علي (عليه السلام) أشار عليه بعدم الخروج بنفسه، لأنّ خليفة المسلمين محور وحدتهم[24]. وفعل الشيء نفسه حين استشاره عمر بأن يخرج بنفسه لقيادة جيش المسلمين المتوجّه لفتح إيران، لأنّه ـ كما يقول الإمام علي ـ لابد أن يكون القطب الذي تدور الرحا حوله، فخروجه يعني تشتّت أمر المسلمين[25]. وفي السياق نفسه جاء صلح الإمام الحسن (عليه السلام) مع معاوية في إطار الظروف الاستثنائية التي مرّ بها الإمام، وعانت منها الأمة. ثم ثورة الإمام الحسين (عليه السلام): إذ ضحّى الحسين (عليه السلام)بنفسه وبصحبه وأهل بيته من أجل مصلحة الأمة، والحيلولة دون استشراء الانحراف في جسدها. ويلفت الإمام السجاد (عليه السلام) الأنظار بدعائه للجيش الإسلامي برغم خضوع هذا الجيش