يقال بوقوع الخلط بين ما يصدر بصفة الوليّ وما يصدر بصفة المشرّع. ولكنّ الواقع هو أنّه كانت تصدر منه (صلى الله عليه وآله) تلك التعليمات باعتباره حاكماً، ولها جانب مؤقّت، ولكن كلّ تلك التعليمات كانت تحمل معها قرائنها اللفظية والحالية، وهي أمور متميّزة عند العلماء ولو من قياس حالها إلى الحالة السارية عموماً. وهل يشكّ أحد بأنّ الأمر بحفر الخندق ـ مثلاً ـ كان أمراً وقتياً متناسباً مع تلك الحرب بظروفها؟ ثامناً: وقد طرحت فكرة اجتهاد النبي في الأمور التي لا تعبّر عن تشريع خالد. والذي نعتقده أنّه (صلى الله عليه وآله) كان لا يعدو بيان الواقع التشريعي الخالد من خلال وصوله إليه بالوحي، أو بيان التعليم الاجتماعي اليومي بصفته وليّ الأمر. وفي المجال الثاني هذا كان يتمّ التشاور والعزم لا في المجال الأول، والفرق بين المجالين واضح للمتأمّلين فأنّه (صلى الله عليه وآله) كان ملتزماً تمام الالتزام بعرض الواقع التشريعي قبل كلّ شيء، وعدم إبداء رأي من عنده، بل لقد كان (صلى الله عليه وآله) قد التحم بالوحي والحقيقة، فلا ينطق عن الهوى إن هو إلاّ وحي يوحى. تاسعاً: ولمّا لم يجدهم ما ذكروه، راحوا يركّزون على أنّ خبر الواحد لايفيد إلاّ ظنّاً، وأنّ الظنّ لايغني من الحقّ شيئاً، غافلين عن أنّ الأدلّة القطعية التي سيقت لحجّية خبر الواحد استثنت هذا الظنّ وأمثاله من عموم النهي عن اتّباع الظنّ، وأنزلته منزلة العلم باعتباره السبيل العقلائي ـ الطبيعي ـ للوصول إلى الشريعة، وأنّه لايمكن تكليف الناس جميعاً بتحصيل العلم بكلّ موارد الإسلام وأحكامه. فالظنّ المنهيّ عنه هو الظنّ الذي لم يقم على اعتباره دليل قطعي. عاشراً: وأخيراً راح البعض يستعرض بعض الروايات التي ادُّعي أنّها تخالف العقل والعلم، لأجل التقليل من أهمّية المجموع الروائي العام. ونحن نسمع كثيراً عن مخالفة العقل هذه، وعند التأمّل نجدها تخالف ذوقاً عقلائياً مثلاً، أو ميلاً عاماً، دون أن تصل إلى مستوى المخالفة القطعية لبديهة عقلية مسلّمة. نعم لو وصلت إلى هذا الحدّ ـ وذلك بعيد جدّاً ـ فقدت الوثوق المطلوب. أمّا قصّة مخالفة البحوث العلمية، فيجب فيها أن نتذكّر التغييرات الكبيرة التي تطرأ على هذه البحوث، وعدم قطعيّتها، وأنّها فرضيات متغيّرة.