وبغض النظر عن صحّة هذا التحوّط وعدمها، فإنّها لا دلالة فيها على ما يطلبه المشكّكون هؤلاء، خصوصاً إذا لاحظنا إنّ الناهين عن كتابة الحديث أنفسهم كانوا من العاملين بالحديث الشريف، والداعين للعمل بسنّته (صلى الله عليه وآله). وثانياً: ذكروا أنّ في الروايات ما هو معارض لغيره من الروايات نفسها، ولمّا لم يكن من الممكن أن تتناقض السنّة، فيجب التوقّف في المجموع. ومن الواضح سخف هذا الاستدلال، ذلك أنّ الروايات المتعارضة لها مساحة قليلة، فإذا أُريد التوقّف فليكن في هذه الدائرة لا غير. ثم إنّه كثيراً ما يكون التعارض ابتدائياً، أي بالنظر الأوّلي، ولكن بمجرّد التأمّل ينحلّ ذلك التعارض بحصول جمع عرفي ظاهر بين المتعارضين: إمّا بتخصيص، أو تقييد، أو تقدّم لأحدهما على الآخر باعتباره قرينة، والقرينة مقدَّمة على ذي القرينة، أو باعتباره يرفع الموضوع، أو يتصرّف في الحكم، مثل تقدّم حديث «لا ضرر ولا ضرار» على غيره من الأحكام الأولية. نعم إذا استحكم التعارض توقّفنا عن العمل بهما معاً. ويجب أن نلاحظ هنا أنّ التعارض طبيعي الوقوع، فقد يكون في الأصل ناشئاً من عملية تدرّج في إعطاء الأحكام، أو من سقوط شيء وغيابه عن الراوي ممّا يغير المدلول، أو من وجود خبر مدسوس لانعلم بدسّه فنتصوّره حجّةً علينا. ثالثاً: راح البعض يتحدّث عن روايات تتنافى مع القرآن الكريم، ولكنّه لم يستطع أن يذكر إلاّ بعض الروايات. على أنّ الكثير ممّا يذكر كمصداق لذلك يرجع إلى تخصيص أو تقييد لمطلق قرآني، وهو أمر واقع بشروطه المذكورة في محلّها. نعم إذا رأينا الخبر منافياً تماماً لمضمون القرآن، ضربنا به عرض الجدار، ولم يكن إلاّ زخرفاً. رابعاً: راح البعض يذكر أنّ الأحاديث كانت موجّهة للمخاطبين بها بالفعل، فلا تشمل غير عصرهم من العصور. وهذه الشبهة هي من أوهى الشبهات، ذلك أنّ من المسلّم به، الواضح في خلد جميع المسلمين، والموحي به من تعليمات القرآن: أنّه (صلى الله عليه وآله) كان يتحدّث لا مع عصره فحسب، بل