هـ ـ تصوير الهدفية السامية والوظائف الكبرى ومن أساليب القرآن الكريم أنّه يصوّر للأمة أهدافها السامية، ويمنحها وظائف حضارية كبرى من مثل قوله تعالى: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّة أُخْرِجَتْ لِلْنَّاسِ)[10]. وقـوله: (وَكَذلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً)[11]. ومن الواضح أنّه كلّما تجلّت الأهداف السامية في خلد الأمة، اندفعت بشكل طبيعي إلى الوحدة والتآلف والعمل المجموعي، لأنّ الأهداف الكبرى لا يمكن أن تتحقّق إلاّ من خلال ذلك. وعلى نفس هذا النسق يبيّن القرآن وحدة المصير، إذ يقول: (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لاَ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُمْ خَاصَّةً)[12]. و ـ حذف مقاييس التفاضل الممزقة أشرنا من قبل إلى أسس مطروحة للوحدة، وأنّها أسس باطلة غير قوية، وأنّ الإسلام إذ رفضها أُسساً للوحدة، رفضها أُسساً للتفاضل الاجتماعي، وأعطى مقياساً إنسانياً عاماً له يضمن الجوّ الصالح لقيام الوحدة ودوامها. فملاك التفاضل الذي يصوّره القرآن هو الأمور التالية: أولاً: التقوى (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللهِ أَتْقَاكُمْ)[13]. ثانياً: العلم (هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَيَعْلَمُونَ)[14]. ثالثاً: الجهاد والعمل (فَضَّلَ اللهُ الْمُـجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ)[15]. ومن الواضح أنّ هذا الملاك إذا طبّقه المجتمع، عاد في تماسك ما بعده تماسك.