فليس المراد من الآية حفظ المصاحف الموجودة في الخارج، ولم يعدنا الله بحفظ هذه المصاحف، ولو كان كذلك لصدق وعده تجاه النسخ القديمة والفعلية والمستقبلية، بينما الأمر غير صادق على كثير من النسخ التي صدرت في العهود الماضية على أقلّ تقدير، فلابدّ أن يراد من الحفظ شيء آخر هو ما أشرنا إليه، أي: حقيقة القرآن وجوهره، لا الأوراق التي يكتب عليها. الدليل الثاني: أنّ القرآن لايأتيه الباطل أبداً هناك آية اُخرى أشارت إلى حفظ القرآن بنحو آخر، وهي: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ لاَيَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيم حَمِيد)[130]. نفى الله في هذه الآية إتيان القرآن الباطل، ولا النافية هنا نفت الطبيعة والجنس، أي طبيعة الباطل وعمومه منفي عن القرآن، وهذا يعني أنّ الباطل بمختلف أصنافه، من الزيادة والنقصان، وتبديل الكلمات والحروف كلّ ذلك منفي عن القرآن، ولا مجال لها إلى واقع القرآن وحقيقته، ولو كان القرآن قد حُرِّف أو أنّه سيُحرَّف في المستقبل لكان ذلك يعني فتح المجال للباطل لأن يدخله، فإنّ التحريف مصداق، بل أتمّ مصداق للباطل، وعندئذ لاتكون الآية صادقة. جاء في ذيل الآية: (تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيم حَمِيد) والمفروض بهذا