المتغيرات والطفرات المتلاحقة في مجال العلم والتكنولوجيا، تجعل الحاضر لحظة غير محسوسة، وتجعل البشرية تعيش في المستقبل دائماً؛ إذ أن ما تكشف عنه الدراسات المستقبلية الغربية، يضعنا في حيرة مما سيحدث الآن وفي المستقبل؛ وهو ما يعبِّر عنه أحد مفكري الغرب بـ (صدمة المستقبل)، لأن ما تم التخطيط له قبل عشرين عاماً ظهرت نتائجه الآن، وما يتم التخطيط له الآن ستظهر نتائجه بعد عشرين أو خمسين عاماً. وحيال ذلك فلابد أن يكون للإسلام وللفكر الإسلامي موقفه مما سيحدث في المستقبل أو مما يتم الإعداد له من الآن. ويتمثل هذا الموقف في استعداد الفكر الإسلامي للمستقبل، ومحاولة امتصاص مفاجئاته وصدماته، وهو موقف ندعو اليه. ولهذا فأنا أدعو لتدارس موضوعة الفكر الإسلامي المستقبلي الذي ينطلق من إشكاليات الحاضر وحيثياته، ويستشرف المستقبل وتحدياته وخياراته، ثم يخطط له في محاولة لاكتشاف بدائله المنشودة وبنائه والتحكم به. فمثلاً نظم الحاضر التي أعدّ لها الآخرون، كالعولمة والأنسنة، ستتبلور بمرور الزمان وتظهر نتائجها النهائية في المستقبل، وكذلك الكثير من الاكتشافات، كما يحدث في علم الجنتيك (الهندسة الوراثية)، فإن نتائجه ستظهر في المستقبل. وهكذا فإن الشريعة والفقه وعلم الكلام الإسلامي لابد أن يكون لها رأيها في كل ذلك، وتستعد له، لتكون بمستوى تحديات المستقبل وضغوطاته. وعلى هذا الأساس فإن منهجيات وأفكار ورؤى تطرح الآن، وهدفها وضع الفكر الإسلامي بمستوى قضايا المستقبل، كفلسفة الفقه وفقه المقاصد وفقه الأولويات وعلم الكلام الجديد والتحول في الاجتهاد وأسلمة أو تأصيل العلوم الاجتماعية والإنسانية، وحتى التطبيقية، وغيرها، هي بأكملها مطروحة للبحث والتداول والمدارسة بين دعاة التجديد الأصيل في الفكر