2ـ اما في مرحلة ما بعد الإنتاج البشري فان هذه القوانين تعمل عملها ولكن في أطر معينة يرضاها الإسلام للسوق الإسلامية السليمة والتي تذكرها لنا النصوص الإسلامية الكثيرة. إذ لا يوجد في هذه السوق (احتكار) ولا (إجحاف) ولا (غش) ولا تبان لرفع القيم (حتى التباني الرسمي)، ولا ندرة مصطنعة كما يتوفر فيها ما يحتاجه المجتمع حيث يجب كفاية توفير ذلك، وهكذا نصل إلى منع أي معاملة محرمة وسيادة روح التعاون والخدمة وغير ذلك من أحكام السوق الإسلامية السليمة، وفي مثل هذه الحالة الطبيعية لا معنى لتدخل الدولة في عملية العرض والطلب حيث الأصل حريتهما وربما يحمل على ذلك ما جاء في الأخبار «إنّما السعر إلى الله يرفعه إذا شاء ويخفضه إذا شاء» أو (ان غلاء السعر ورخصه بيد الله) وأمثال ذلك. وإذا رأيناه (صلى الله عليه وآله وسلم) يغضب ممن طلب منه التدخل فهو ـ على الظاهر ـ لأنه طلب إليه التدخل في حالة عادية. وقد روى عبد الرزاق في المصنف بسنده عن سالم بن أبي الجعد قال: قيل للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) سعر لنا الطعام، فقال: «ان غلاء السعر ورخصه بيد الله واني أريد أن ألقى الله لا يطلبني احد بمظلمة ظلمتها إياه في مال ولا دم»([217]). فليس غلاء السعر، أو كون الطعام غير مسعر وأمثال ذلك سببا للتدخل اما إذا حصل إجحاف في البين أو احتكار وما إلى ذلك مما يتنافى والشكل الإسلامي للسوق فان لولي الأمر التدخل لإرجاع الحالة إلى الوضع الطبيعي بلاريب. قال الصدوق في كتاب التوحيد: «فما كان من الرخص والغلاء عن سعة الأشياء وقلتها فان ذلك من الله ـ عزوجل ـ وتجب الرضا بذلك والتسليم له وما كان من الغلاء والرخص بما يؤخذ الناس به لغير قلة الأشياء وكثرتها من غير رضى منهم به أو كان من جهة شراء واحد من الناس جميع طعام بلد فيلغوا الطعام لذلك من المسعر والمعتدي بشراء طعام المصر كله كما فعله حكيم بن حزام كان إذا دخل الطعام المدينة اشتراه كله فمر عليه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: يا حكيم بن حزام إياك ان تحتكر»([218]).