ثالثاً: حذر البنك من استعمالها فموقفه موقف انتهازي كما يعبر. إلاّ ان الظاهر ان المورد مورد قرض ذلك ان من خصائص الوديعة ان تبقى كما هي بعينها ولا يمكن التصرف فيها خصوصاً بما يفوت ذاتها ـ بإجماع المذاهب الإسلامية ـ إلاّ ما ينقله عن المالكية حيث اعتبروا ذلك مكروهاً، وخاصة إذا كانت الوديعة من الدنانير والدراهم أي من النقود. هذا في حين نجد البناء منذ البدء على ان يقوم البنك بالتصرف المطلق في أموال الحساب الجاري تماماً دونما حرج أو استثناء، وإنّما هو أمر طبيعي جداً ولا يتخذ البنك فيه حالة انتهازية ـ كما يعبر ـ اما احتياطه في التصرف في أموال الحساب الجاري فهو تابع لطبيعتها الجارية ولزوم توفر سيولة نقدية في كل آن للاستجابة لاحتمالات السحب في كل آن وإلا تعرضت سمعة البنك للخطر لا بل أمكنت المطالبة القانونية له فحتى على مذهب المالكية لا يمكن تكييف وديعة الحساب الجاري على أساس أنها وديعة وإنّما تجب الصيرورة إلى إنها قرض كامل لان التصرف ليس استثنائياً. اما مسألة النية (نية الإيداع) فهي في الحقيقة ناشئة من عاملين: الأول: كونها كذلك في البنوك الربوية الثاني: إنها تقرب من الوديعة باعتبار إمكان استيفائها كاملة في كل آن، وبما يصاحب ذلك من الحفظ والصيانة فهي تؤدي إلى نفس النتيجة التي يؤدي إليها الاستيداع تماماً إلاّ ان هذه النية لا تنسجم مطلقاً ـ عندما يراد تكييف العقد شرعاً ـ مع علم الطرفين بان هذه العين المالية بمجرد تسليمها سوف تقع تحت التصرف الكامل للبنك وهذا إنّما ينسجم مع القرض لا الإيداع، حتى لو وضع عليه عنوان الإيداع ذلك نظير الإيداعات الثابتة التي لا سبيل فيها في البنوك الربوية إلاّ إلى القرض حتى لو تمت تحت عنوان الإيداع. فالعبرة في العقود للقصود والمعاني لا للألفاظ والمباني. ولو قبلنا إنها ودائع كان علينا ان نقول ان التصرف الذي يقوم به المصرف اما ان يكون ناقلا بذمته، وأما ان يبقى مجرد تصرف في مال المودّع، فإذا كان ناقلا بذمته فمعنى ذلك الاستقراض، وهذا ينسحب على مجمل الوديعة من العقد الأول باعتباره يتصرف في أموال الحسابات الجارية كمالك كامل ـ بل ان المصارف إنّما تقدم على فتح الحسابات الجارية وتقديم خدماتها ـ وهي لا