والمسرفين وبيّن انحرافهم عن الصراط الإنساني. يقول الإمام علي (عليه السلام): «أقبَلُوا على جيفّة قد افتَضَحُوا بأكْلِها واصطلَحوا على حُبِّها، ومَن عَشِقَ شيئاً أعشى بَصَرهُ، وَأَمرضَ قَلبَهُ، فهو ينظر بعين غير صحيحة قد خرقت الشهوات عقلَهُ، وأماتت الدنيا قلبه وولهت عليها نفسه، فهو عبدٌ لها، ولمن في يديه شيء منها،...» وهكذا يستمر هذا الوصف إلى ان يشرف بهم على سكرات الموت فيقول: «فهو يعض يده ندامةً على ما أصحرَ له عند الموت من أمره، ويَزهَدُ فيما كان يرغب فيه أيام عمره، ويتمنى أن الذي كان يغبطه بها ويحسده عليها قد حازها دونه!»، إلى ان يقول (عليه السلام): «فصار جيفةً بين أهله، قد أوحشوا من جانبه، وتباعدوا من قربه، لا يسعدُ باكياً، ولا يُجيب داعياً»([111]) ويقول في خطبة رائعة أُخرى: «سلطانها دوَلٌ (أي الدنيا) وعيشها رنق، وعذبها أجاج، وحلوها صبرٌ وغِذاؤها سمامٌ وأسبابها رمامٌ، حيُّها بعرض موت، وصحيحُها بعرض سُقم مُلكُها مسلوب، وعزيزُها مغلوب، وموفورها منكوب» إلى ان يقول (عليه السلام): «أفهذه تُؤثرون، أم إليها تطمئنون، أم عليها تحرصون؟»([112]) ولتحقيق السمو في آمالهم يقول: «ولو تعلمون ما أعلمُ مما طوي عنكم غيبُهُ، إذا لخرجتم إلى الصُّعداتِ تبكون على أعمالكم، وتلتدمون على أنفسِكم، ولتركتم أموالكم لا حارس لها ولا خالف عليها». «أما رأيتم الذين يأملون بعيداً، ويبنون مشيداً، ويجمعون كثيراً، كيف أصبحَت بيوتهم قبوراً، وما جمعوا بورا، وصارت أموالهم للوارثين وأزواجُهم لقوم آخرين». «إلاّ فما يصنع بالدنيا من خُلقَ للآخرة! وما يصنع بالمال من عمّا قليل يُسلَبُه وتبقى عليه تبعته وحسابه». وعن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) يتحدث فيقول: «ولقد كان صلّى الله عليه وآله وسلم يأكل على الأرض، ويجلس جلسة العبد، ويخصف بيده نعله، ويرقع بيده ثوبه، ويركب الحمار العاري