وهكذا نجد ان هناك الكثير من التساؤلات التي قد تبقى بلا جواب في هذا المنهج. رأي الإمام الجويني في ترتيب أُصول الفقه ولا يفوتني هنا ان أشير إلى ان علم أُصول الفقه يقوم على أسس منطقية متينة، تنطلق أساسا من التصور الدقيق عن واقع الشريعة، وعن السبل الكاشفة عنه وليس علماً سمعياً مأخوذاً من سيرة الصحابة أو الأئمة رغم عظمة مكانتهم، وهو الرأي الذي ذكره إمام الحرمين الجويني، إذ يقول عن أُصول الفقه: إنه نظم ما جاء من سير الصحابة الأكرمين، وضمّ ما بلغنا من عبرهم، ولو كانوا عكسوا الترتيب لاتبعناهم، ويضيف: (نعم، ما كان يعتني الكثير منهم بجمع ما بلغ الكافّة من أخبار رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، بل كانت الواقعة تقع فيبحث عن كتاب الله، وكان معظم الصحابة لا يستقل بحفظ القرآن ثم كانوا يبحثون عن الأخبار فان لم يجدوها اعتبروا ونظروا وقاسوا)([64]). وهناك مواقع للنظر في هذا النص منها: أولاً ـ ما قلناه قبل قليل، من ان علم أُصول الفقه قائم على أسس موضوعية، وليس تدوينا لأسلوب معين من الاستنباط قام به المجتهدون الأوائل، ومن الغريب انه نفسه كان يرجح مذهب الإمام الشافعي على رأي بعض الصحابة باعتبار دقة المنهج فيه. ثانياً ـ لم يثبت ان الصحابة ما كانوا يتحرون الآيات كلها والأخبار كلها قدر الإمكان. ثالثاً ـ نستطيع ان نقرر ان الاجتهاد آنذاك لم يكن بالمستوى من التعقيد كما نراه اليوم، نتيجة لقرب العهد، ووضوح القرآن، وكثرة الشهود، ووضوح المقصود، وحضور القرائن، ونقاء النصوص النبوية، وسلامتها من التحريف أو الوضع. الأمر الذي كان يسهل الاستنباط. وهذا لا يعني ان نعتمد نحن نفس الأسلوب على ما فيه من سهولة بعد تغيّر الأحوال، وهذا ما لا يحتاج إلى استدلال.