لحصول اليقين فيه بالخروج عن عهدة التكاليف. ولسنا هنا بصدد شرح هذه القاعدة أو نقدها بقدر ما نريد الإشارة إلى ان المسلك الطبيعي في مثل هذا المورد هو مناقشة الأدلة الاجتهادية التي تطرح، من قبيل ادّعاء جريان السيرة القطعية لدى المسلمين جميعاً على عدم التقيد بالرجوع إلى الأعلم عند الاستفتاء، رغم وجود علم إجمالي بالتخالف بين الصحابة والعلماء في نوعية الاستنباط. وقد لاحظت أثناء مناقشات مجمع الفقه الإسلامي الدولي ان سير الاستدلال هناك في كثير من موارده يعتمد إمّا على الاستناد إلى أقوال الأئمة أو حتى إلى المجتهدين في إطار المذاهب، أو الاستناد إلى أدلة مختلفة المراتب في الاستدلال، كالاستناد إلى بعض الأُصول المحرزة للواقع قبل تحقيق الأمر في الأدلة الاجتهادية. وهذا الأمر طالما اعترضت عليه في جلسات المجمع المتتابعة. حيث أكّدت على ان العملية الاجتهادية الحرة يجب ان تسلك السير الطبيعي. على أن أقوال الأئمة والعلماء إنّما يستأنس بها للاطمئنان إلى النتائج المستنبطة لا أكثر، اللهم إلاّ إذا شكلت إجماعا فان المجال سيختلف. ثم ان هناك بعض النصوص التي جاءت في كتب العلماء متحدّثة عن سبل الاستدلال ربما أمكن مناقشتها في ضوء البحث السابق، ومنها النص الوارد عن حجة الإسلام الغزالي في كتابه (المستصفى من علم الأُصول) حيث يقول في الفن الثالث من القطب الرابع ـ وهو يتحدث عن بيان ترتيب الأدلة: ويجب على المجتهد في كل مسألة ان يرد نظره إلى النص الأصلي قبل ورود الشرع، ثم يبحث عن الأدلة السمعية المغيرة، فينظر أول شيء في الإجماع فان وجد في المسألة إجماعاً ترك النظر في الكتاب والسنة فإنهما يقبلان النسخ والإجماع لا يقبله، فالإجماع على خلاف ما في الكتاب والسنة دليل قاطع على النسخ إذ لا تجتمع الأُمة على الخطأ، ثم ينظر في الكتاب والسنة المتواترة وهما على رتبة واحدة لان كل واحد يفيد العلم القاطع. ولا يتصور التعارض في القطعيات السمعية إلاّ بأن يكون أحدهما ناسخا، فما وجد فيه نصا من كتاب أو سنّة متواترة أخذ به. وينظر بعد