الاختلاف المذهبي: وحينما نحاول ان ننظر إلى الاختلاف المذهبي بهذا المنظار نجده أمرا طبيعي الحصول، وقد أشار الكثير من المحققين إلى ذلك بشكل مفصل وفي بحوث علمية معقدة. فتحدثوا عن ضرورة الاجتهاد في الشريعة والتي تتأصل باستمرار، وذلك بملاحظة الأُمور التالية: 1- ان المصدر الأساس له هو الكتاب والسنة الشريفة. وواضح ان الشريعة بل وعموم التصور الإسلامي لم يُعطَ في صيغ وعبارات واضحة للجميع، وإنّما أعطيت في المجموع الكلي للنصوص بشكل يفرض الحاجة إلى مقدمات علمية كثيرة، وجهد علمي واسع للمقارنة واستخراج النتائج بكل دقة وموضوعية. 2- كلما ابتعدنا عن عصر النص زادت الحاجة إلى هذه الجهود وتنوعت، وذلك لضياع عدد معتد به من الأحاديث، ونسيان ظروف صدور النص، وعدم نقل القرائن التي يحتمل انها كانت تحيط به، وتغير أساليب التعبير، ودخول كثير من الخطأ وربما الدس من المغرضين. 3- ثم هذا التحول الكبير في أساليب الحياة، وهذا التعقد في الحاجات والعلاقات المتنوعة والمسائل المستحدثة التي لا نص فيها، مما يتطلب استخراجها من القواعد العامة أو الأُصول الفرعية أو الأُصول العملية التي أريد لها ان ترفع حالة التحير والتردد. 4- أضف إلى كل ذلك الحاجة إلى أشخاص متخصصين بعمق يتفرغون لاستيعاب مختلف الجوانب الإسلامية ويتأهلون لقيادة عملية التطبيق الشاملة لكل جوانب الحياة منسقين بين جوانب الصورة الإسلامية العقائدية والعاطفية والسلوكية ليأتي الحاصل منسقا، كما يتأهلون للفصل في مسائل النزاع العملي وهي من لوازم التطبيق، ومن هنا كان الاجتهاد ضرورة حياتية مستمرة ـ كما أكد العلماء ذلك ـ ومن هنا أدرك أعداء الإسلام دور الاجتهاد في مرونة الإسلام وحفظ كينونة الأُمة، فراحوا يدعون إلى محاربة الاجتهاد بحجة رفض سيطرة العلماء على المجتمع.