وكانت تجربة التقريب بين السُنّة والشيعة هي التجربة الأولى من نوعها في هذا المجال، وكانت اختباراً لقدرة المسلمين على معالجة أمورهم، وحصار خلافاتهم بالوعي والرشد، ويكونون بذلك أهلا لحمل رسالة الإسلام. ويقول: كنت أخشى أن تفشل الفكرة، وينتصر أنصار التفرقة وتوسيع الفجوة، فيلقي ذلك ظلا من التشكيك في مبادئ الإسلام ذاته، فنظلم الإسلام، ونعطي للمغرضين الفرصة للحكم على الإسلام بتصرفاتنا وأخطائنا، وشتان بين الإسلام وواقع المسلمين. ويقول: كان الوضع يثير الشجن.. الشيعي والسني كل منهما يبتعد عن الآخر، ويعيش على أوهام ولدتها الظنون أو الشائعات أو السياسة ومصالح الحكام، أو روجت لها الدعاية المغرضة، وساعد على بقائها الجهل وقلة الرغبة في الاطلاع على الحقائق عند الفريقين، وكانت الكتب المشحونة بالطعن والتجريح تتداول بين أبناء كل فريق، وتلقى القبول، خصوصا كتاب مثل كتاب الملل والنحل للشهرستاني الذي يتحدث عن طوائف وعقائد لا وجود لها على سطح الأرض، ويبدو كأنه يتكلم عن خلق آخرين في كواكب أُخرى غير هذه الأرض! وإذا ألّف واحد من أبناء الفريقين كتابا، لا يعرض إلاّ آراء مذهبه، وإذا أشار إلى مذاهب أُخرى تكون إشارته طعنا واتهاما، وترديدا لما سمعه أو قرأه أو ورثه عن آبائه يردده دون تحقق أو تمحيص، وبذلك ساهم مؤلفون في تضخيم الخلافات بين السُنّة والشيعة، حتى أصبحت كل دعوة لوحدة المسلمين تقابل بالشكوك والاتهامات، وكل ما يدعو إلى الفرقة يجد القبول.. ووصل الأمر إلى التشكيك في أن مصحف الشيعة هل هو مصحف السُنّة؟ وشك كثير من أهل السُنّة في أن يكون مصحف الشيعة هو المصحف الذي في أيدي سائر المسلمين، ومع ذلك فلم يكلف أحدهم نفسه بالتقليب في نسخة من ملايين النسخ من المصحف التي يتداولها الشيعة ويتعبدون بها، ولو قرأوها لذهب الشك وانتهت المشكلة، ولكنهم حكموا على شيء موجود بالظنون وتناقل أقوال في كتاب مغرض مات صاحبه منذ قرون ولم يحقق أحد مدى الصدق والكذب فيه!