ولم يكن لهذه الفتاوى دور التهدئة للثورات الشعبية الحاصلة من تفاقم الظلم والاستبداد السياسي، والبذخ والتبذير دائماً، فقد كانت تتفجّر هذه الثورات والانتفاضات هنا وهناك بصورة غير موجّهة، وكانت لها آثار سيّئة وتخريبية واسعة، مثل ثورة «الزنج» في العصر العبّاسي. وهو أمر طبيعي عندما يتخلّى الفقهاء عن دورهم الذي منحهم الله تعالى في قيادة وتوجيه حركة المظلومين والمستضعفين ضدّ الظالمين والمستكبرين، وفي ردع الظالمين عن الظلم. وسلام الله على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب حيث يقول في تعريف «العالِم»: «وما أخذ الله على العلماء أن لا يقارّوا على كظّة ظالم ولا سغب مظلوم»، فإذا تخلّى العالم عن دوره التوجيهي في توجيه وقيادة هذه الحركة، يستلمها الغوغاء من الناس لا محالة، وتكون لها آثار تخريبية واسعة بالضرورة، كما حدث كثيراً في تاريخ الإسلام المدوّن. كتاب «الأدلّة الشرعية في بيان حقوق الراعي والرعية» ألّف الشيخ محمد بن عبدالله بن سبيل إمام المسجد الحرام رسالةً مستقلّةً في هذا الأمر، أكّد فيها أبلغ التأكيد على حرمة الخروج على الحكّام الذين يمارسون الظلم والفجور ويسعون في الأرض فساداً، وينتهكون حدود الله وحرماته. ونحن نورد بعض كلمات الشيخ في هذا الأمر. يقول الشيخ محمد بن سبيل في هذه الرسالة: «وتحريم الخروج عليهم، ونزع الطاعة من أيديهم، سواء كانوا أئمةً عدولاً صالحين أم كانوا أئمةَ الجور والظلم، مادام أنّهم لم يخرجوا عن دائرة الإسلام، فإنّ الصبر على جور الأئمة وظلمهم، مع ما فيه من ضرر فإنّه أخفّ ضرراً وأيسر خطراً من ضرر الخروج عليهم، ولهذا جاء الأمر من الشارع بوجوب السمع والطاعة، وتحريم الخروج على