وقد كان هؤلاء الفقهاء يبالغون في تأكيد هذا الرأي وتعميقه في المجتمع الإسلامي ; إمعاناً في تطمين هؤلاء الحكّام من ناحية ثورات المظلومين وانتفاضاتهم. يقول سفيان الثوري لأحد تلاميذه: «يا شعيب، لا ينفعك ما كتبت حتّى ترى الصلاة خلف كلّ برٍّ وفاجر، والجهاد ماض إلى يوم القيامة، والصبر تحت لواء السلطان، جار أم عدل !». سبحان الله ! ! كما لو كان إقرار الظالمين على ظلمهم، والسكوت عنهم، وتحمّل إسرافهم وبذخهم في بيت المال، وإفسادهم للناس... من أُصول الدين، لا يقبل منه عمله وسعيه إلاّ به ! ! ! ويقول علي بن المديني: «لا يحلّ لأحد يؤمن بالله أن يبيت ليله إلاّ عليه إمام، برّاً كان أو فاجراً، فهو أمير المؤمنين، والغزو مع الأُمراء ماض إلى يوم القيامة، البرّ والفاجر، لا يُترك، وليس لأحد أن يطعن عليهم، ولا ينازعهم، ودفع الصدقات إليهم جائزة نافذة، قد بَرِئ من دفعها إليهم، وأجزأت عنه، برّاً كان أو فاجراً، وصلاة الجمعة خلفه، وخلف من ولاّه جائزة، قائمة، ركعتان من أعادها فهو مبدع تارك للإيمان، مخالف، وليس له من فضل الجمعة شيء إذالم يَرَ الجمعة خلف الأئمة، كائناً مَن كانوا، برّهم وفاجرهم. والسنّة أن يصلّوا خلفهم، لا يكون في صدورهم حرج من ذلك... إلخ». سبحان الله العظيم ! ! إنّ هذا غاية ما يتمنّاه الجبّارون، المقترفون للإثم، المنتهكون لحرمات الله، الساعون في الأرض فساداً. ولا يقف صاحب الفتوى عند هذه الحدود، حتّى يبلغ أقصى ما يطلبه هؤلاء الظَلَمة المستكبرون الذين يسعون في الأرض فساداً، فيقول: «ثمَّ لا يَكُون في صدُورِهِم حَرَجٌ مِنْ ذلِك»، ويزيد عليه شارح الطحاوية، فيقول: «بل من الصبر على جورهم تكفير السيّئات، ومضاعفة الأُجور، فإنّ الله تعالى ما سلّطهم علينا إلاّ لفساد أعمالنا، والجزاء من جنس العمل».