قال أمير المؤمنين (عليه السلام): إنّ الله لا يعذّب العامّة بذنب الخاصّة بالمنكر سرّاً، من غير أن تعلم العامّة، فإذا عملت الخاصّة بالمنكر جهاراً، فلم تُغَيّر ذلك العامّة، استوجب الفريقان العقوبة من الله عزّ وجل قال: وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): إنَّ المعصية إذا عمل بها العبد سرّاً لم يضرّ إلاّ عاملها، فإذا عمل بها علانيةً، ولم يُغيّرُ عليه، أضرّت بالعامّة». ـ قال جعفر بن محمد (عليهما السلام): «وذلك أنّه يذلّ بعمله دين الله، ويقتدي به أهل عداوة الله»[504]. هذا هو حكم الله تعالى أولاً في مواجهة أئمة الظلم والطغاة والجبابرة، الذين يسعون في الأرض فساداً، وأمّا الموازنة بين الأهمّ والمهمّ في الأحكام فهو أمر ثانوي طارئ، وليس من الصحيح أن نستبدل الأحكام الأولية بالثانوية، إلاّ في مواقعه اللازمة والمحدودة في الفقه. الدور السلبي لهذه الفتاوى لقد كان لأمثال هذه الفتاوى دور سلبي في تاريخ الإسلام يتمثّل في دعم الحكّام الظَلَمة، وتشجيعهم في الإمعان في الظلم والإفساد أولاً، وفي إخماد ثورة المظلومين والمعذّبين، وإحباط حركات الثائرين ومقاومة الشعوب المستضعفة والمضطهدة ثانياً. ولم يكن هؤلاء الحُكّام من أمثال معاوية ويزيد وغيرهما يستريحون إلى شيء كما كانوا يستريحون إلى أمثال هذه الفتاوى، فكانوا يمعنون في الظلم والفساد، واقتراف الذنوب والمعاصي، وانتهاك الحُرمات، ويجدون في هذه الفتاوى دعةً وراحة.