الآخر، فيكون المقيَّد هو الآخر لا محالة. فالمدار إذا في هذه المسألة هو تشخيص الأهمّ من المهمّ. وهذا أمر «متغيّر»، يختلف من حال إلى حال، ومن حاكم إلى حاكم، ومن منكر إلى منكر، ومن مجتمع إلى مجتمع، فلا يمكن إعطاء أحكام ثابتة في مثل هذه المسائل. فقد يكون المجتمع صالحاً قويّاً ملتزماً بحدود الله وأحكامه، وبالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والحاكم الذي يقترف الظلم حاكم ضعيف، يمكن إزالته من دون مشاكل وأضرار كبيرة، ففي هذه الحالة يقدّم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على الأمر بالحفاظ على الأنفس والأموال من الفتن والأضرار والهلكة. وقد يكون الأمر بالعكس، فيقدّم الحكم بالمحافظة على الأنفس والأموال والأعراض على حكم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وعلى العموم الأمر يختلف في تحديد الأهمّ وتشخيصه من المهم بين الحكمين من مورد إلى مورد، ولا يمكن إعطاء حكم عام في هذه المسألة بناءً على هذا الدليل. ويتّفق كثيراً أنّ الحاكم يمارس أبشع أنواع المنكرات ويقترفها، ويتجاوز حدود الله وأحكامه، وينتهك حرماته سبحانه وتعالى، كما كان الأمر في يزيد بن معاوية، الذي يقول عنه الحسين (عليه السلام) كما في رواية الطبري: «ألا ترون أنّ الحقّ لا يُعمل به، وأنّ الباطل لا يُتناهى عنه ؟ ليرغب المؤمن في لقاء الله محقّاً، فإنّي لا أرى الموت إلاّ سعادةً، ولا الحياة مع الظالمين إلاّ برماً»[495]. ويقول عنه الحسين (عليه السلام): «ألا وإنّ هؤلاء (يعني بني أُمية) قد لزموا طاعة الشيطان، وتركوا طاعة الرحمن وأظهروا الفساد، وعطّلوا الحدود، واستأثروا الفيء، وأحلّوا حرام الله، وحرّموا حلاله، وأنا أحقّ من غيّر»[496].