المناقشة أقول: أولاً: أنّ مآل هذا الاستدلال من ناحية فنّية إلى تقديم الأهمّ على المهم في باب «التزاحم»، ومن دون أن ندخل التفاصيل الفنّية لباب التزاحم، نقول: إنّ لدينا هاهنا حكمين وهما: الأول: وجوب النهي عن المنكر، وإزالة المنكر وتغييره ومكافحته، حتّى لو تطلّب ذلك إراقة الدماء وتحمّل المتاعب. والثاني: اجتناب الفتن الاجتماعية التي تودّي إلى إراقة الدماء، وانتهاك الأعراض، وإضرار الناس. وكلٌّ من الحكمين في وضعه الأولي مطلق، يعني: أنّ النهي عن المنكر يجب حتّى لو تطلّب إراقة الدماء، وتجنّب الفتن الاجتماعية يجب حتّى في موضع النهي عن المنكر. وهذان حكمان مطلقان متخالفان، فإذا اجتمعا في موضع واحد، كما يحصل في الإنكار على الحكّام الظالمين، ومكافحتهم، ونهيهم عن الظلم، وإزالتهم عن موقع السلطان والنفوذ في المجتمع، فإنّ هذا الإنكار يؤدّي إلى مقارعة الحكّام الظالمين، وبالتالي إلى سفك الدماء، وانتهاك الأعراض، وإضرار الناس بأضرار بليغة، وهو أمر قد حرّمه الله تعالى. فيجتمع في هذا الموضع إذا حكمان: أحدهما: وجوب الإنكار على المنكر وتغييره وإزالته ومكافحته، وثانيهما: وجوب الاجتناب عن الفتن الاجتماعية والسياسية التي تؤدّي إلى سفك الدماء وانتهاك الأعراض. ولأنّ المكلّف لا يقدر على امتثال الحكمين معاً، كان لابدّ بحكم العقل، من تقديم الأهمّ على المهمّ. وبلغة فنيّة: لابدّ من تقييد إطلاق أحد الحكمين، فإذا كان أحدهما أهمّ من