أقول: في مثل هذه الأحوال يجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومكافحة المنكر، والعمل على إزالته، مهما تطلّب الأمر من الدماء والمتاعب والأضرار في الأنفس والأموال، وأنّ إصدار أحكام ثابتة وقطعيّة في تحريم الخروج على الحكّام الظالمين، وتحريم إزعاجهم وإثارة الفتن في وجوههم، وتحريم مقارعتهم ومقاومتهم، يزيد هؤلاء الحكّام إمعاناً في مقارفة المنكرات والظلم والفساد. وليس شيءٌ أرضى إلى هؤلاء الحكّام الذين يقترفون كبائر الإثم، ويمارسون أبشع أنواع الظلم، من أمثال هذه الفتاوى التي نجدها نحن ـ للأسف ـ في تاريخ الإسلام كثيراً، هذا أولاً. وثانياً: أنّ هذا الحكم لو صحّ في بعض موارد باب «التزاحم»، عندما يكون اجتناب الفتنة أهمّ من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فهو حكم ثانوي طارئ، والحكم الأولي هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والعمل على إزالة المنكر، ومكافحته، والنهي عن إطاعة الظالمين والمسرفين، والأمر بالإعراض عنهم ورفضهم، والكفر بهم. وليس من الصحيح الإعراض عن الحكم الأولي الثابت في الشريعة إلى الأحكام الثانوية الطارئة، إلاّ في مواردها المنصوصة في الشريعة. والحكم الأولي الثابت في الشريعة هو قوله تعالى: (وَلاَ تَرْكَنُواْ إلى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ)[497]. وقوله تعالى: (أَلَمْ تَرَ إلى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إلى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلا بَعِيداً)[498].