(لَوْلاَ يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ عَن قَوْلِهِمُ الإِثْمَ) وقال: (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ) إلى قوله: (لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ) وإنّما عابَ الله ذلِكَ عَليْهمْ لأنّهمْ كانُوا يَرَوْنَ مِنَ الظَلَمةِ الّذينَ بَيْنَ أظْهُرِهِم المُنْكَرَ وَالفَسادَ فلا ينَهَونَهُمْ عَنْ ذلِك، رَغْبَةً فيما كانُوا يَنالونَ مِنْهُمْ، وَرَهْبَةً مِمّا يَحْذَرُونَ، واللهُ يقولُ: (فَلاَ تَخْشَوُاْ النَّاسَ وَاخْشَوْنِ)وقال: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْض يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ) فَبَدَأ الله بالأمْر بالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن المُنْكَر فريضة مِنْهُ، لِعِلْمِهِ بأنّها إذا أُدّيتْ وأُقيمَت اِسْتَقامَتْ الفَرائِضُ كُلّها، هَيّنُها وَصَعْبُها، وذلِكَ أنّ الأمْرَ بالْمَعْرُوف وَالنَّهْي عن المُنْكَرِ دُعاءٌ إلى الإسلام مَعَ رَدِّ الْمَظالِمِ وَمُخالفَةِ الظالِمِ، وقِسْمَةِ الْفَيء وَالْغَنائِمِ، وَأخْذِ الصَّدَقاتِ مِنْ مَواضِعِها، وَوَضْعِها في حَقّها. ثمَّ أنتُمْ أيُّها العِصابَة، عِصابَةٌ بالْعِلْمِ مَشْهُورَةٌ، وَبالْخَيْرِ مَذْكورَةٌ، وَبالنَّصيحَةِ مَعْرُوفة، وَباللهِ في أنْفُس النّاس مَهابَة، يَهابُكُمُ الشَّريفُ، وَيُكْرِمُكُمُ الضَّعيفُ، وَيُؤثِرُكُمْ مَنْ لا فَضْلَ لَكُمْ عَلَيْهِ وَلا يَدَ لَكُمْ عِنْدَهُ، تَشْفَعُونَ فِي الْحَوائِجِ إذا اِمْتَنَعَتْ مِنْ طُلاّبها، وَتَمْشُونَ فِي الطَّريق بهيئة الْمُلُوكِ وَكَرامَةِ الأكابرِ، ألْيسَ كُلّ ذلِكَ إنّما نِلْتُمُوهُ بما يُرْجى عِندَكُمْ مِنَ القيام بحَقّ اللهِ وَإن كُنْتُمْ عَنْ أكْثر حَقّهِ تَقْصُرُونَ، فَاسْتَخْفَفْتُمْ بحَقّ الأئِمَةِ، فأمّا حَقّ الضُّعَفاء فضَيّعْتُمْ، وَأمّا حَقّكُمْ بزَعْمِكُمْ فطلَبْتُمْ، فلا مالاً بَدلُْتمُوهُ، وَلا نَفْساً خاطَرْتُمْ بها لِلَّذي خَلقَها، وَلا عَشيرَةً عادَيْتُمُوها في ذاتِ اللهِ، أنْتُمْ تَتَمَنّونَ عَلَى اللهِ جَنّتَهُ، وَمُجاوَرَةَ رُسُلِهِ، وَأمانَهُ مِنْ عَذابِهِ. لَقَدْ خَشيتُ عَلَيْكُمْ أيُّها الْمُتَمَنّونَ عَلى اللهِ أنْ تُحِلّ بكُمْ نِقمَةٌ مِنْ نَقِماتِهِ، لأنّكُمْ بَلَغْتُمْ مِنْ كَرامَةِ اللهِ مَنْزِلةً فُضِّلْتُمْ بها، وَمَنْ يُعْرَفْ باللهِ لا تُكْرِمُونَ، وَأنْتُمْ باللهِ في عِبادِهِ تُكْرَمُونَ، وَقَدْ تَرَوْنَ عُهَودَ اللهِ مَنقوضَة فَلا تفزعون، وَأنْتُمْ لِبَعْض ذِمَمِ آبائِكُم تفزعون وَذِمَّة رَسُولِ اللهِ محقورة، وَالْعُمي وَالْبُكْمُ والزَّمِنَ فِي الْمَداينِ مُهْمَلة لا يُرْحَمُونَ، وَلا في مَنْزِلَتِكُمْ تعلمون، وَلا مَن عَمِلَ فيها تعنون، وَبالإدْهانِ وَالْمصانَعَةِ عِنْدَ