الظَّلَمَةِ تأمَنُونَ، كُلّ ذلِكَ مِمّا أمَرَكُمُ اللهُ بهِ مِنَ النّهْي وَالتَّناهِي وَأنْتُمْ عَنْهُ غافِلُونَ، وَأنْتُم أعْظَمُ النّاس مُصيبَةً لِما غُلِبْتُمْ عَليْهِ مِنْ مَنازِل الْعُلَماءِ لَوْ كُنْتُمْ تَسمَعُونَ. ذلِكَ بأَنّ مَجارِي الأُمُورِ وَالأحْكَامِ عَلى أيْدِي الْعُلماءِ باللهِ، الأُمَناءِ عَلى حَلالِهِ وحَرامِهِ، فَأنْتُمْ الْمَسْلُوبُونَ تِلْكَ الْمَنْزِلة، وَما سُلِبْتُمْ ذلِكَ إلاّ بتَفَرّقِكُمْ عَن الْحَقِّ، وَاخْتِلافِكُمْ في السُّنّةِ بَعْدَ الْبَيّنَةِ الْواضِحَةِ، وَلو صَبَرْتُمْ عَلَى الأذى، وَتَحَمّلْتُمْ الْمَؤُونَة في ذاتِ الله، كانَتْ أُمُورُ اللهِ عَليْكُمْ تَرِد، وَعَنْكُمْ تَصْدُرُ، وَإلَيْكُمْ تَرْجِعُ، وَلكِنّكُمْ مَكّنْتُمْ الظَلَمة مِنْ مَنْزِلَتكُمْ، وَأسْلمْتُمْ أُمورَ اللهِ في أيْديهِم، يَعْمَلونَ بالشُّبَهاتِ، وَيَسيرُونَ في الشَّهَواتِ، سلّطَهُمْ عَلى ذلِكَ فِرارُكُمْ مِنَ الْمَوْتِ، وَإعْجابُكُمْ بالْحَياةِ الّتِي هِيَ مُفارِقَتُكُمْ، فأسْلَمْتُمُ الضُّعَفاءَ في أيْديهمْ، فمِن بَيْن مُسْتَعْبَد مَقهُور، وَبَيْنَ مُسْتَضْعَف على مَعيشَتِهِ مَغلُوبٌ، يَتَقلّبُون فِي الْمُلْكِ بآرائِهمْ، وَيَسْتَشْعِرُونَ الْخِزْيَ بأهْوائِهِمْ، اِقتِداءً بالأشْرارِ، وَجُرْأةً عَلى الْجَبّارِ، في كُلّ بَلد مِنْهُمْ عَلى مِنْبَرِهِ خَطيبٌ مُصْقَعُ، فَالأرْضُ لَهُمْ شاغِرَةٌ، وَأيْديهِمْ فيها مَبْسُوطَة، وَالنّاسُ لَهُمْ خَوَلٌ لا يَدْفَعُونَ يَدَ لامِس، فمِنْ بَيْن جَبّار عَنيد، وَذي سَطْوَة عَلى الضَّعَفَةِ شَديد، مُطاع لا يَعْرِفُ الْمُبْدِيءَ وَالْمُعِيدَ. فَيا عَجَباً، وَمالي لا أعْجَبُ وَالأرْضُ مِنْ غاشٍّ غَشُوم ومُتَصدِّق ظَلُوم، وَعامِل عَلَى الْمُؤْمِنينَ بِهِمْ غَيْرِ رَحيم، فَاللهُ الْحاكِمُ فيما فيهِ تَنازَعْنا، وَالْقاضِي بحُكْمِهِ فيما شَجَرَ بَيْنَنا. اللّهُمَّ إنّك تَعْلَمُ أنّهُ لَمْ يَكُنْ ما كانِ مِنّا تَنافُساً في سُلْطان، وَلا الِْتماساً مِنْ فُضُولِ الْحُطامِ، وَلكِنْ لِنَرَىَ الْمَعالِمَ مِنْ دينِكَ، وَنُظْهرَ الإصْلاحَ في بلادِكَ، وَيَأمَنَ الْمَظْلُومُونَ مِنْ عِبادكَ، وَيُعْمَلَ بفَرائِضِكَ وَسُنّتِكَ وَأحْكامِكَ، فَإنّكُم إلاّ تَنْصُرُونا وَتَنْصِفُونا قوَي الظَلَمَة عَلَيْكُمْ، وَعَمِلُوا في إطْفاء نُورِ نَبيّكُمْ، وَحَسْبُنا اللهُ وَعَليْهِ تَوَكّلْنا، وَإلْيهِ أنَبْنا، وَإليْهِ الْمَصيرُ»[458].