فقد عرفنا من خلال آية الأعراف وجوب طاعة الله، بمقتضى الميثاق والعهد، وننطلق من هذه النقطة في معرفة كلّ طاعة مشروعة وتمييزها عن الطاعة غير المشروعة، فأيّ طاعة تكون بأمر الله، وتأتي في امتداد طاعة الله، فهي طاعة شرعية ملزمة، وكلّ طاعة لا تأتي في امتداد طاعة الله، ولا تكون بأمر الله تعالى لا تعتبر طاعةً شرعية. وبذلك نستطيع أن تقدّم في ضوء آية الميثاق من سورة الأعراف تفسيراً واضحاً ودقيقاً للمبنى العلمي لشرعية الطاعة. حكم العقل بطاعة الله لا يمكن أن تكون الأوامر المتعلّقة بطاعة الله مولويّة شرعية كسائر الأوامر المتعلقة بالأحكام الشرعية، فلا يكون قوله تعالى: (أَطِيعُواْ اللّهَ)[355] إلاّ إرشاداً إلى حكم العقل بطاعة الله. وذلك لأنّ الأمر بطاعة الله في قوله: (أَطِيعُواْ اللّهَ) لو كان شرعياً مولوياً، لتساءلنا عن الدليل الموجب لامتثال الحكم الذي تتضمّنه آية الأنفال، الآمرة بطاعة الله، فإن كان الدليل على وجوب امتثال الأمر (أَطِيعُواْ اللّهَ) هو نفس قوله تعالى: (أَطِيعُواْ اللّهَ) لزم الدور ; لتوقّف الشيء على نفسه، وإن كان أمر آخر بالطاعة في كتاب الله أو حديث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) نقلنا السؤال نفسه إلى ذلك الأمر، وتساءلنا عن الدليل الموجب لامتثال الأمر بالطاعة في النصّ الآخر... وهكذا يتسلسل السؤال والجواب، وهو ممتنع. فلا بد إذا أن نصرف آية الأنفال (أَطِيعُواْ اللّهَ) عن ظاهرها في الأمر المولوي الشرعي إلى الإرشاد والتنبيه بحكم العقل بوجوب طاعة الله.