وقد تحدّثنا بتفصيل عن آية الميثاق في كتاب «الميثاق» وذكرنا هناك آراء المفسّرين في تفسير هذه الآية، وما أراه من رأي في هذه الآية. وذكرنا هناك أيضاً أنّ الميثاق الذي تذكره الآية المباركة يجري في داخل فطرة كلّ إنسان من دون استثناء. والمرحلة الأُولى من «الميثاق» هي الإيمان بالله تعالى، والإقرار بربوبية الله للإنسان، وعبودية الإنسان لله (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى) ويشهدهم الله تعالى على أنفسهم بهذا الإقرار لئلاّ يقولوا يوم القيامة إنّا كنّا عن هذا غافلين (وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ... أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ). وهذه المرحلة الثانية من «الميثاق». وهذا الإيمان والإقرار من أحكام العقل النظري الضروري، ولا يشذّ عقل عن هذا الإيمان والإقرار في مرحلة من مراحل العمر عندما تتفتّح فطرة الإنسان. والمرحلة الثالثة الالتزام والتعهّد بالطاعة لله تعالى في مقام العمل، وهو من أحكام العقل العملي الضروري. وهذه هي العلاقة التشريعية بين الإنسان وبين الله تعالى. وهذه العلاقة نابعة من الإيمان بالعلاقة التكوينية بين الله والإنسان، والتي قوامها الربوبية والعبودية. وبمقتضى حكم العقل العملي الضروري يتعهّد الإنسان بالطاعة لله ; بناءً على الإيمان والإقرار بالربوبية والعبودية. ويجري هذا الإيمان والتعهّد بالطاعة في عمق الفطرة بحكم العقل النظري، والعقل العملي بصورة قهرية. وهذا «التعهّد» هو الميثاق الفطري الذي تذكره آية الأعراف، و «الطاعة» مأخوذة من هذا «التعهّد». ولا يخلو إنسان عن هذا الإيمان وعن هذا التعهّد، فإنّهما يجريان داخل فطرة كلّ إنسان، من غير فرق، والذين ينحرفون عن صراط الفطرة إنّما ينحرفون بعدما وعوا